تحار الدولة اللبنانية كيف تزيد من معاناة الفلسطينيين. منعهم من الحصول على حقوقهم الأساسية ليس كافياً بالنسبة إليها. عليها أن تشدد الخناق أكثر، أن تزيد فقرهم، أن تجعل حياتهم أصعب. لكنها أيضاً في الوقت نفسه تحمل لواء القضية الفلسطينية، تجاهر بها أينما كان، وتراها حقاً ضائعاً يجب استرداده. في 20 حزيران 2014 اتخذت هذه الدولة قراراً يقضي بمنع الصياد الفسطيني من الخروج إلى الصيد إلا برفقة صياد لبناني، وذلك تحت عنوان «الحفاظ على الأمن»، الحجة الأسهل التي تتخذها الأجهزة الأمنية في الآونة الأخيرة، مبرراً لإهانة كرامة الأشخاص والضغط عليهم والتغاضي عن أسس احترام الإنسان وحقوقه.
«كرهت البحر. كرهت كون فلسطيني». هكذا بدأ «أحمد»، أحد الصيادين الفلسطينيين القدامى في صور، كلامه. فأن تكون فلسطينياً كافٍ في عرف بعض اللبنانيين والمسؤولين لأن تتعرض لاضطهاد وظلم تدفعهما ثمناً لهويتك. وجد بعض اللبنانيين، الذين تعوّل عليهم الدولة لضبط الأمن، في هذا القرار فرصة يجب استغلالها، فلا يقبل أحد منهم بالذهاب مع الفلسطيني، «المخرّب» بنظر السلطات، بأقل من 10 آلاف ليرة، على الرغم من أن مدخول الصياد اليومي لا يتعدى 25 ألف ليرة في اليوم.
منذ تاريخ صدور القرار، لم يخرج أحمد إلا 4 مرات إلى الصيد، بالرغم من أن هذه المهنة هي سبيله الوحيد لتحصيل لقمة عيشه. ذهب معه صياد لبناني «لم يقبل إلا بأخذ نصف الأرباح، التي لا تتجاوز في أحسن أحوالها 30 ألفاً، مقابل وجوده فقط على القارب من دون أن يقوم بأي عمل». أما النصف الثاني، فيأخذه أحمد، على أن يدفع منه ثمن المازوت وصيانة القارب. قد لا يدرك الكثيرون انعكاسات قرارات كهذه على حياة هؤلاء الفقراء ومستقبلهم، لكن أحمد بسبب هذا القرار لم يتمكن من جمع قسط الجامعة لابنتيه، يقول بغصة: «لم أسجلهما. إما أن نأكل، وإما أن تتعلما». أحمد هو واحد من 60 صياداً تأثروا بهذا القرار، ما يعني أن المأساة أكبر بكثير. علاقة الصيادين الفلسطينيين بنقابة الصيادين في صور لا تبدو جيدة. رئيس النقابة خليل طه، يعلن أنهم «ليسوا مظلومين كثيراً بسبب هذا القرار»، لكنه يعترف بأنهم لم يثيروا أي مشاكل في الميناء. يلفت منسق العلاقات العامة في «شاهد» محمد الشولي، إلى أن «الصياد عندما يوقف مركبه في الميناء يدفع رسوماً، سواء أتحرك المركب أم لم يتحرك، وهذا رتّب أعباءً كثيرة على الفلسطينيين الذين قد لا يذهبون إلى عملهم ما لم يجدوا لبنانياً يرافقهم».
اتخذ القرار على صعيد لبنان كافة، إلا أنّ الوضع سُوِّي في صيدا والصرفند، بعد تدخل النائبة بهية الحريري، فألغي القرار في اليوم التالي، إلا أن المشكلة استمرت في صور. يوضح قائد مخابرات الجيش في منطقة صور، العميد مدحت حميد، أن «قيادة الجيش تنفذ قرارات الحكومة بهذا الشأن. المسألة ليست منع الفلسطيني من الخروج من دون لبناني، بل حيازة مستندات قانونية»، مضيفاً أن «الكثير من الفلسطينيين ليس لديهم رخص صيد ومراكبهم غير شرعية لأن وزارة النقل لا تمنح رخصاً لغير اللبنانيين، وبالتالي لا يمكنهم مزاولة المهنة». هذه المعادلة تحصل فقط في لبنان: تطلب الدولة مستندات قانونية لمزاولة المهنة، وفي الوقت نفسه ترفض إعطاءها. الحل الذي أوجده حميد أخيراً على مسؤوليته هو «إعطاء الصيادين رخصة من نقابة الصيادين في صور، على أن يبقوا قريبين من الميناء كي لا توقفهم الدوريات البحرية. سمحت قيادة الجيش للصيادين الفلسطينيين بالصيد دون عوائق، شرط التزام التوجيهات التي تقررها بهذا الخصوص». هذا الحل مؤقت لا يحمي الفلسطينيين من التوقيف، إذ يتطلب الأمر أن تقوم الوزارات بتسوية أوضاعهم القانونية. الإحصاءات الصادرة عن دائرة الصيد المائي والبري في وزارة الزراعة تشير إلى أن 59% فقط من المراكب لديها رخص صيد سارية المفعول و86% فقط من الصيادين لديهم تذكرة صياد بحري قانوني. إذا أرادت الدولة تطبيق القانون فلتوقف كل من يخالف عملية الصيد من لبنانيين وفلسطينيين وسوريين، من حيث المعاملات القانونية وترخيص قوارب الصيد، وإلا اعتُبرت قراراتها عنصرية وتعسفية.




يروي أحمد (صياد فلسطيني) أن القرار» استمر من 20 حزيران لغاية 24 أيلول عندما سمحوا لنا بالصيد شمال صور فقط ومنعونا من الصيد جنوباً مع العلم أن المنطقة الجنوبية غنية بالسمك عكس المنطقة الشمالية». يؤكد أنه «منذ 10 سنوات امتنعت الدولة عن إعطاء بطاقة صياد للفلسطيني. لكن الصيادين القدامى لديهم هويات بحر نتعذب أكثر من شهر لتجديدها سنوياً ونمرّ على العديد من الأجهزة الأمنية». يهمس أحمد بأن هذه الإجراءات ليست أمنية فقط، كما يدعون، إذ «يحاولون الضغط علينا عبرها من أجل أن نعمل معهم. لو أن الموضوع يتعلق بأمن البلد فهذا واجب علينا، لكنهم يريدوننا جواسيس».