يعمد أكثر من مدرب في مختلف أنحاء العالم الى التعاقد مع طبيب نفسي، يساعد اللاعبين في التغلب على أزمة ثقة أو على خوف يراودهم من خصم صُنّف أقوى منهم. في حالات نادرة درس بعض المدربين هذا العلم، لكي يكونوا أقرب الى «أولادهم»، على غرار ما فعل مدرب تشلسي البرتغالي جوزيه مورينيو. أما مدرب البرازيل السابق لويز فيليبي سكولاري، فكان همه إيجاد طبيب جاهز للبقاء مع اللاعبين ومعالجتهم طيلة فترة البطولات التي تقام دولياً، وما قاله في هذا الاطار كان واضحاً: «نحن نبحث في ما يمكننا فعله، ونحصل على أفكار جديدة من الأطباء النفسيين الذين يؤمنون بأن المشكلة كلها ذهنية».
يمكن معالجة هذه المشكلة الذهنية في السيطرة على النفس، خارج الملعب، أو داخله، إذا ما كانت في الشوط الأول، أو في بداية الشوط الثاني للمباراة.
أما إذا ما حصل وحسم اللاعب فوز فريقه في الدقيقة التسعين من المباراة، فلا يعتب أحد على ما يمكن أن يحصل من ردّ فعل.
الجزء العلوي من الجسم يصير في عالم آخر، غير مدركٍ على الإطلاق أن شخصه بدأ بإخراج شخصيته الحقيقية «اللاواعية» الى العلن. ينسى اللاعب أن هناك كاميرات تصوّر كل أنحاء الملعب، وينسى أن ملايين أو بالحد أدنى آلافاً خلف الشاشات، فضلاً عن الموجودين في مدرجات الملعب، يشاهدون حركاته التي تشبه المسلسلات الكوميدية في بعض الأحيان.
يقول متابع كروي، عايش جيلين مختلفين من الكرة وما دار حولها، أن ما يشاهد على التلفاز الآن، حالات، يصفها هو بالجنونية. لم يكن يخطر في باله أن أحد اللاعبين في مباراة ودية للمنتخب الإيسلندي، وعند تسجيله هدفاً، سيأخذ الكرة ويضعها وهو نائم على الأرض، بين فخديه، ليلعب دور المرأة لحظة الولادة، حيث يقوم زملاؤه بتوليده الكرة - الهدف!
هنا يتبين أن هذا اللاعب منح معظم عقله «إجازة مؤقتة» لثوانٍ معدودة، لأنه لم يقصد الدلالة على شيء أو إرسال أي رسالة من خلال هذا الفعل، بل إن كل هذه الشقاوة والعبث تعبّر عن السعادة فقط لا غير.
عندما يسجل لاعب
ما هدفاً يصبح في مرحلة «اللاوعي» احياناً بسبب فرحته الكبرى

العالم الإجتماعي مايكل أرغايل صاحب كتاب «سيكولوجية السعادة» يشير الى أن هذا الكمّ الهائل من الفرح «يمكن فهمه بوصفه انعكاساً لدرجة الرضا عن الحياة، أو بوصفه انعكاساً لمعدلات تكرار حدوث الانفعالات السارة، وشدة هذه الانفعالات». إذاً، إن «السعادة هي الشعور باعتدال المزاج، ومن الناحية المعرفية التأملية، السعادة هي الشعور بالرضا والإشباع وتحقيق الذات والشعور بالبهجة واللذة». إنه «الرضا الشامل». فَعَلَ هذا اللاعب، في دقيقة حاسمة، بحسب ما يرى، ما لم يفعله آخرون.
أحياناً يصل الأمر الى أن يكون في سلوك اللاعب وتعبيره عن الفرح ما يبعث الحيرة، حتى إن رفاقه يقفون لثوانٍ مصدومين مما حصل. هل يعاني هذا اللاعب من كبت رياضي تفجر بتسجيله الهدف، فتوجه نحو مقاعد البدلاء، ونطح برأسه، كثور هائج، مع ابتسامة، الزجاج البلاستيكي فكسره؟ هذا ما فعله الإيطالي بومبر فيولاني.
يبدو، في هذه القصص، أن هناك مبالغةً في التعبير عن درجة السعادة. لكن يبقى ما هو مفهوم منها للتعبير عن رسالة يريد اللاعب إبرازها، مثلما فعل البرازيلي بيبيتو في مونديال 1994 حيث، ولمناسبة ولادة ابنه الجديد، قام برقصة صارت تاريخية وعادة يؤديها كل لاعبي الكرة، تحاكي مداعبة الأطفال الرضع.
وفي مثل هذه المناسبة اختار الغابوني بيار إيميريك أوباميانغ مهاجم بوروسيا دورتموند الالماني طريقة اخرى، إذ بعدما سجل هدفاً رأسياً امام بايرن ميونيخ في الكأس السوبر الالمانية، سحب قناع «سبايدرمان» من جواربه وذهب للاحتفال مع زملائه والمشجعين. لماذا فعل ذلك؟ يقول أوباميانغ: «رزقت بمولود اليوم، وكنت أتمنى التسجيل من أجله، واستعددت عبر هذا القناع من أجل الاحتفال بالمناسبة».
احتفالات لا تنتهي، لكن أجملها تلك التي يتجلى فيها مشهد إنساني راق جداً. يفعلها دائماً النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، وفعل على صورتها أخيراً لاعب روما الايطالي أليساندرو فلورينسي.
الأول، وفي كل مرة سجل فيها هدفاً، يرفع سبابتيه نحو السماء، ويتمتم ببضع كلمات موجهة الى جدته التي يعيد الفضل إليها في تربيته ومنحه فرصة تعلم الكرة. أما الثاني، وعند تسجيله هدفاً، يترك الملعب ليتجه مسرعاً الى المدرجات ويقفز من أعلى السياج الفاصل لاحتضان سيدة متقدمة في السن، وسط انهمار دموعها. تلك السيدة هي جدته، احتفل معها اعترافاً بفضلها عليه.
مشاهد كثيرة في ملاعب أوروبا والعالم، منها جنونية ومنها إنسانية. الطرق مختلفة وفريدة، لكن أياً منها لن يكون موضةً تغزو الجمهور، لأن المسألة هنا شخصية بحتة وترتبط بنشوة لا يعرفها سوى اللاعب المعني.