تجربة هيئة التنسيق النقابية كشفت أنّ سلسلة الرواتب لا ترقى إلى أن تكون عنواناً جامعاً للقطاعات الوظيفية المكوّنة للهيئة، بل بإمكان هذا العنوان أن يفجّر الخلافات بين هذه المكوّنات في أي لحظة. هذا ما يحصل الآن، ففشل قيادة الهيئة في تحويل «الحراك» الى تعبير عن مصالح فئات واسعة من اللبنانيين، جعل الهيئة اليوم تبتعد عن المواجهة «المفترضة» مع ما يُحاك بين الكتل النيابية من دونها، لتغرق في اعتراضات هذا القطاع الوظيفي أو ذاك على الزيادة التي لحقت برواتب أفراده أو بنسبة درجتهم. صار كل مكوّن يسعى الى شدّ «اللحاف» صوبه تحت عنوان خصوصية القطاع، وصولا الى المطالبة بالانفصال عن القطاع الآخر.
التباينات بين المكونات مثلت فرصة للسلطة السياسية لتضرب الحقوق والقطاعات بعضها ببعض، لأنّها ببساطة لا تريد أن ترى تنظيمات نقابيّة في القطاع العام تضم نحو 176 ألف موظف، يمكن ان يشكّلوا اداة ضغط هائلة تضر بمصالح أصحاب الرساميل.
المعلمون يقولون إنّ هناك «دائرة تبادل مصالح بين السياسيين والموظفين الإداريين، لذا فهم حصلوا على كل ما يريدون من سلسلة الرواتب». ويذكّرون هنا بأن المعلم لا يملك سوى راتبه، فيما ينال الموظف الإداري بدلات ساعات إضافية ومكافآت سنوية وبدل تمثيل في اللجان والمشاريع والمؤتمرات. ويبدو هؤلاء مقتنعين بأن رواتبهم يجب أن تكون الأعلى بين كل رواتب الموظفين كما في كل دول العالم، بالنظر لما يسمونه خصوصية مهنة التعليم.
أساتذة التعليم الثانوي الرسمي تحديداً يرفضون السلسلة التي تدور التسوية حولها بين الأفرقاء السياسيين لأنها «تنطلق من زيادات استنسابية، مختلفة ومخفَضة ومقسَطة وتضرب الأساتذة والمعلمين بإعطائهم أقل نسبة زيادة». كذلك فإنّها تلغي ما يسمونه الحقوق المكتسبة لأستاذ التعليم الثانوي من خلال تكرار إلغاء الـ (10,5 درجات= 60%)، والمكرَسة بقوانين منذ 48 سنة مقابل زيادة ساعات عمله، كما حصل عام 1998. ثم إنّ المشروع المطروح يلحظ، بحسب الأساتذة الثانويين، فارق الدرجات العشر بين المعلمين والموظفين الإداريين، ولا يلحظ فارق الـ 54 درجة بين الأساتذة الثانويين والجامعيين.
أما الموظفون الإداريون فلديهم مقارباتهم المختلفة المنطلقة من أن مشروع قانون السلسلة نفسه ينص في أسبابه الموجبة على «ضرورة ردم الهوة بين الأسلاك وإنصاف موظفي الإدارات العامة».
ويرى الموظفون أنّ «المقارنة بين بداية راتب أستاذ التعليم الثانوي وبداية راتب الموظف الإداري مع التعامي عن الدرجات الاستثنائية التي يحصل عليها المعلمون في السنوات الثلاث الأولى بعد التعيين، أي 10.5، يؤدي إلى نتائج مضللة، بل مشوهة للواقع إن لجهة قيمة الدرجة أم لجهة الراتب، فبعد 3 سنوات يكون المعلم قد حصل على 13 درجة إضافية بينما يكون الإداري قد حصل فقط على درجة ونصف درجة». يشرحون أنّ «ارتفاع نسبة الزيادة للإداري عن المعلم ليست سوى محاولة لردم الهوة الشاسعة بين الاثنين، وليست ظلماً للمعلم الذي يبقى راتبه بعد السلسلة يزيد على راتب الإداري، علماً بأن الفارق يزيد مع مرور الوقت لكون قيمة درجة المعلم أعلى بصورة ملحوظة من الموظف بعد السنة الثالثة للخدمة». وبالنسبة إلى الـ 60% التي يطالب بها الأستاذ الثانوي فهي، بحسب الموظفين الإداريين، «غير محقة وقد ألغيت بموجب القانون الرقم 593/1996 وهي كانت في الأصل زيادة بين 40% و 50% من راتب الأستاذ الثانوي مقابل زيادة ساعات العمل، ولا شأن لها براتب الإداري، وهي ألغيت لأنه لم يعد هناك من زيادة في ساعات العمل، فالأستاذ الثانوي يعلّم فقط 20 ساعة في الأسبوع تتناقص مع سنوات الخدمة لتصل إلى 14 ساعة، ما يعني أن الموظف الإداري يعمل أكثر من ثلاثة أضعاف عدد الساعات التي يزاولها الأستاذ الثانوي. طبعا لا يأخذ هذا الكلام بالحسبان عمل الاستاذ التحضيري خارج ساعات الدوام. الا انهم يستدركون: «لا يعقل أن يكون راتب معلم ثانوي أعلى من راتب مدير عام، وراتب معلم أساسي أعلى من راتب رئيس مصلحة التعليم».