انتقد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، سلوك بعض المصارف، وقال في اللقاء الشهري الأخير بين مجلس إدارة جمعية المصارف وحاكمية مصرف لبنان، إن «هناك ضرورة للحدّ من لجوء بعض المصارف إلى رافعة غير مبرّرة». وكشف أن هناك «العديد من المصارف تخطّت نسب الاحتياطات على القروض». في موازاة اطمئنان سلامة إلى استمرار التدفقات النقدية وثبات مستويات الفوائد، فإن سلوك المصارف في السوق يدفعه إلى توجيه انتقادات لأنماط عملها ومخالفاتها المتراكمة التي تحوّلت تدريجاً إلى أعراف متّبعة.
استمرار «الموديل»

سلامة كان واضحاً في اللقاء المذكور، الذي عقد في 19 أيلول الماضي. ففي بداية اللقاء أطلع وفد جمعية المصارف على معطيات السوق النقدية. إذ شدد على أن مصرف لبنان قادر على الاستمرار في إدارة دفة التدفقات في اتجاه لبنان، بما يعزّز قدرة المصارف على تمويل الدولة، ويضمن له (البنك المركزي) زيادة الاحتياطات بالعملات الأجنبية. استند في ذلك إلى الظروف المواتية في الأسواق العالمية، وهي لن تمثّل عامل ضغط على مستويات الفائدة المحلية. وقال إن «الحركة في السوق جيدة ومتوازنة، إذ زادت احتياطات مصرف لبنان الحرّة خلال الأسبوعين الماضيين»، مستنتجاً أن بنك مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي قد يحرّك (أو قد لا يحرك) الفوائد في حزيران/ تموز عام 2015، وأن البنك المركزي الأوروبي، استناداً إلى ما يعلنه، لن يحرك الفوائد صعوداً قبل عامي 2016 أو 2017، وأن البنك المركزي الياباني مستمر في سياسة انعدام الفوائد عملياً، وعليه لن تحدث، في المدى المنظور، ضغوطات خارجية على مستوى الفوائد في لبنان، وبالتالي هي مرشحة لتبقى مستقرة. ويشهد على ذلك أن الأدوات اللبنانية CDS لم ترتفع رغم كل الأحداث لدينا».
على الصعيد المالي، ذكّر سلامة بأن لدى الخزينة سيولة فائضة، «فالسوق وفرت احتياجات الدولة من دون تدخل من البنك المركزي خلال آخر ثلاثة اكتتابات. هناك طلب خارجي للتوظيف في لبنان بسبب استقرار الأوضاع (نسبياً) مقارنة مع مصر وتركيا وقبرص وغيرها من أسواق المنطقة، والعوائد أفضل من أسواق الخليج». ما قصد سلامة قوله هو أن بقاء أسعار الفوائد في لبنان أعلى بالمقارنة مع الأسعار العالمية، هو أحد شروط استمرار التدفقات النقدية التي تضمن له وجود كميات وافرة من الدولارات في السوق بما يتيح له امتصاصها، وبما يسمح بتمويل الدين العام وتوفير حاجات التمويل للقطاع الخاص أيضاً. أما كلامه على عوائد أفضل من أسواق الخليج، فالمقصود أن سندات الخزينة وشهادات إيداع مصرف لبنان هي التي توفّر للمصارف أرباحاً هائلة لا تحلم بها في أي بلد في العالم، وأن عليها الاستمرار في خدمة هذه السياسة التي تحقق لها كل هذه الأرباح. هذا هو «موديل» لبنان النقدي.

سلوك غير مبرّر

تبلّغت المصارف من سلامة المباشرة بإنشاء «وحدة الاستقرار المالي بإشراف نائب الحاكم الثالث (محمد بعاصيري) لمراقبة تمركز مخاطر التسليف»، وتوقف الحاكم عند نقاط أساسية تُعدّ مبررات لوجود مثل هذه الوحدة الجديدة:
أولاً: هناك العديد من المصارف التي تخطّت نسب الاحتياطات على القروض (3.5%)، وبعضها ما زال عند نسبة 0.5%، ويواكب البنك المركزي يواكب هذه الفئة. (هذا يعني أن هناك مصارف تخالف القواعد التي رسمها مصرف لبنان لعمليات التسليف المدعومة، ما يزيد المخاطر على القطاع المصرفي وعلى السوق، بحسب سلامة. كذلك، إن عدم قدرة بعض المصارف على زيادة نسب التسليف المدعوم هو مؤشّر على عدم قدرتها على التنافس في السوق وعلى وجود هوّة كبيرة بين فئتين من المصارف: الكبيرة والصغيرة.
ثانياً: تلجأ بعض المصارف إلى استعمال «الإنتربنك» (استلاف المصارف بعضها من بعض بفوائد متفق عليها في ما بينها، أو بفائدة ضئيلة مقرونة بضمانة سندات) لشراء سندات بآجال طويلة (ثلاث سنوات وما فوق).
بحسب سلامة، قد يترتب على ذلك لاحقاً خسائر مزدوجة إذا ارتفعت الفوائد وتغيرت بنتيجتها أسعار السندات والفوائد عليها، ومن هنا ضرورة الحد من لجوء بعض المصارف إلى «رافعة (Leverage) غير مبررة». هذا السلوك يعني أن استدانة المصارف من بعضها بآجال قصيرة للاستثمار في سندات بآجال طويلة، قد يؤدي إلى انعدام التوازن في آجال الاستحقاقات للمصرف، وهو ما قد يشكل خطراً كبيراً على أي مصرف. وبالتالي إن أي هزّة في أحد المصارف ستجرّ القطاع بكامله.