صورة الولي الفقيه الإمام علي الخامنئي تستقر في وسط المقام. لا شيء في الخارج يدل على أن ما تدخل إليه هو مقام لولي من أولياء الله. ما يبدو لك من الخارج هو الجامع والقبة البرونزية، وعليك أن تسأل، حتى تتأكد قبل الدخول أنك في المكان الذي تقصده. في الداخل، أول ما يلفتك هو الصورة الكبيرة للخامنئي. تتوغل أكثر، تائهاً في المكان، فتجزع حينما تنتبه إلى أنك تطأ على شواهد لقبور موزعة في المكان. يهمس لك ضميرك: «خفف الوطء»، وهكذا، تسير بطيئاً، تائهاً، متفادياً الموتى، فتعثر على يمينك على لوحة زرقاء قرب شجرة معمرة، كتب عليها: «ربط المحارم بدعة والبدعة حرام». يزداد التيه، وتزداد الأسئلة.
هل هو المكان الصحيح الذي تبحث عنه؟ هل هو حقاً مقام بنيامين بن يعقوب؟ فلا شيء، في الباحة الخارجية للمكان يشير إلى أنك وصلت إلى المقام، الذي تقودك إليه لوحات إرشادية نشرها اتحاد بلديات جبل عامل على طول الطرقات المؤدية إلى قرية محيبيب على الحدود مع فلسطين المحتلة. لكنك حينما تصل، كأنك لم تصل. فلا شيء، في الباحة الخارجية لما يفترض أنه مقام بنيامين بن يعقوب، يشير إلى أنه كذلك. أي مقام هذا؟ وهل هو حقاً لبنيامين بن يعقوب (المعروف بإسرائيل)، والأخ الأصغر للنبي يوسف، ذلك الذي لم يشارك أخوته في رميه في الجب؟ ما الذي اتى به إلى جنوب لبنان؟ تتساءل، ولماذا وانت ابن الجنوب لم تسمع من قبل أنه مدفون هناك، فوق تل مطل على فلسطين المحتلة؟ ولماذا تأخر اتحاد بلديات جبل عامل وغيره، في إعلان وجود معلم تاريخي كهذا، يعود تاريخه في الحد الأدنى إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام؟ وهو للمفارقة مقام لابن اسرائيل (يعقوب)، الاسم الذي اختاره الصهاينة لدولتهم التي اغتصبوها في فلسطين.
لا تفارقك الأسئلة، فتضيع فيه من دون ان تعثر على ما يؤكد لك أنه مقصدك، وتزداد الأسئلة، حينما تتأكد من سيدة خارجة من الداخل، إنه مقام بنيامين بن يعقوب، وتشير إليك ان تدخل إلى حيث القبة، لكن من الجهة المخصصة للرجال، وهناك ستجد على الباب لوحة كتب عليها: «قبل دخولك إلى هذا المقام استأذن بهذا الاستئذان»، وهو استئذان طويل، لا اظن ان كثيرين يقرأونه قبل الدخول، وتحته تجد احذية موضوعة في الخارج، فتعرف ان عليك أن تخلع حذاءك وتدخل حافياً، لتجد قبراً مسجوناً بالذهب والنور، وحوله ثلاثة رجال يبكون، وآخر على الأرض يصلي. وفي المقام كتب دينية كثيرة، شيعية بمعظمها (ربما كلها)، ومسابح واقراص للصلاة، وقرآن كبير. وشهيدان لـ«حزب الله»، أو للدقة، صورتان لشهيدين في «حزب الله». لا مجال لأن تتوقف الأسئلة في رأسك. ولا مجال لإبقائها هناك، فتعود لتبحث عمن يروي ظمأك إلى الأجوبة. فتسأل عمن يمتلك تلك الأجوبة، فيقولون لك: خادم المقام.
لم يبق في مدينة
عاليه سوى 44 يهودياً.


بحسب القوائم
الإنتخابية يبلغ عدد اليهود 4810، الغالبية يتركزون في بيروت


العدد الحقيقي للمتبقين لا يتعدى مئة شخص
وتهمس لنفسك: لا بد أن لكل مقام مقال. الخادم «حاج» لطيف، يبتسم كثيراً، وقد ارتاب حينما رأى الكاميرا، وقال إنه اذا اردنا التصوير سيحتاج للاتصال بـ«الرابط» لكي يعطيه الإذن بالكلام. ضحكت، وقلت له ممازحاً: حتى الكلام يحتاج إلى إذن الرابط؟ فضحك اضطرارياً، مستسلماً لنكتة على الغالب وجدها سمجة، ثم اكد لي بحزم أنه يحتاج إلى إذن الرابط لكي يتكلم للكاميرا، ولكي يعطينا المعلومات التي نطلبها. فاتصلت بالرابط وأخبرته بأننا نود التصوير مع خادم المقام، وسؤاله عن معلومات في شأنه، فسمح لنا، وراح يخبرنا قصة المقام. على الغالب تستنتج من «الخادم» أن المقام ذاع صيته بعد عرض مسلسل «يوسف» (من انتاج إيراني) وقد اتى فريق عمل المسلسل إلى المقام لعقد لقاء حواري مع الجمهور، وقد ابدى الإيرانيون اهتماماً بالمقام قبل ذلك، فرمموه بعد التحرير، وبنوا له حرماً كبيراً، فوق مقبرة كانت تحيط به، وتساوت شهود القبور بالأرض، وصارت أسماء الموتى في كل مكان، يحاول الزوار تفاديها احتراماً. ويقول «الخادم» إن المقام كان هناك منذ آلاف السنين، وأن الإسرائيليين حينما دخلوا إلى الجنوب واحتلوا المنطقة، دخلوا إليه بقوة عسكرية على رأسها ضابط، وحينما همّ الضابط بالخروج مات على بابه! يقول إن المقام مقصود من الطوائف كافة. وطبعاً ليس هناك من يهود يزورونه. لكن كان لا بد من السؤال عن «بدعة ربط المحارم» التي تحرمها لوحة زرقاء قرب شجرة معمرة، فيصحبك الخادم إلى الشجرة ليريك الكثير الكثير من المحارم البيضاء المربوطة على غصونها، والتي تبدو لك من بعيد زهوراً بيضاء، ويشرح لك أن هناك طقوساً تمارسها النسوة اللواتي يأتين لزيارة المقام، فيربطن اغصان الشجرة بالمناديل والمحارم، وينذرن إلى النبي بنيامين نذوراً كثيرة، ويرسلن إليه صلواتهن ليحمي ابناءهن وبناتهن وعوائلهن. ويقول إن هذا الأمر ما هو إلا بدعة، والبدعة حرام. ومع ذلك، تجد مئات المحارم معقودة على اغصان شجرة البطن (أو البطم) المعمرة.
سؤال أخير كان لا بد منه: لماذا ليست هناك في الخارج أية دلالة واضحة إلى أن هذا المقام هو مقام النبي بنيامين؟ يستغرب «الخادم» السؤال، ويسبقك إلى الخارج وهو يومئ إليك بأن تلحقه ليدلك على ما يناقض سؤالك، ثم سرعان ما يقف ويضحك، ثم يقول لك: اسم النبي بنيامين هنا، تخفيه صورة الإمام الخامنئي!