يقول مرجع القانون الدولي جيرهارد فان غلان، في كتابه «القانون بين الأمم» إن الامتناع عن التدخل غير المشروع في شؤون الدول «من الواجبات القديمة للدول التي احتواها القانون الدولي العرفي والمواثيق الكثيرة المتعددة الأطراف التي أكدت الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية والخارجية لأية دولة أخرى أو في العلاقات بين الدول الأخرى».
تعتبر السيادة خاصية أساسية لكل دولة تتمتع باستقلالها التام، ولا يمكن أن تقوم دولة لديها إقليم وشعب وتبني نظام سياسي من دون التمتع بهذه السيادة على أراضيها ومياهها وسمائها. هذه السيادة هي التي تمنح النظام القائم سلطاته السياسية وشخصية قانونية اعتبارية، تتيح له إقامة علاقات مع الدول الخارجية.
لقد قامت منذ القدم حتى يومنا هذا العديد من الخلافات والنزاعات والصراعات حول السيادة، تارةً من أجل المياه وأخرى بعد انتهاك الحدود البرية تارة أخرى، لأنه غير وارد أن تتنازل أي دولة عن حقها القانوني في السيادة على اقليمها. اليوم، يتفق العالم أجمع على أن تنظيم «داعش» يشكل خطراً على السلم والأمن الدولي، لما يقوم به من جرائم إرهابية في سوريا والعراق. لكن ذلك لا يعني خرق سيادة الدول الأخرى من أجل محاربة هذا التنظيم، فقد طرح استهداف التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لمواقع جماعات إرهابية تساؤلات عديدة، عن قانونية هذا التدخل في سوريا، وهل يعتبر هذا التدخل مخالفاً للقانون الدولي؟

أولاً: شرعية الحكومة السورية

يقصد بالشرعية الدولية وجوب تطبيق قواعد القانون الدولي العام على سائر التصرفات التي تصدر عن الأشخاص المخاطبين بهذا القانون وهم أساساً الدول والمنظمات الدولية. وقد استلزم القانون الدولي أن يرافق استكمال الدولة لعناصرها إجراء قانوني يتمثل في اعتراف الأسرة الدولية بهذا الكيان الجديد، لكي يمكنها التعامل مع المجتمع الدولي، وكذلك بالنسبة لتشكيل أي حكومة جديدة نظراً إلى مباشرته اختصاصات دولية تمسّ إيجابياً أو سلبياً باختصاصات الأشخاص الدوليين الأخرى.
يعتبر الاعتراف بالحكومة كالاعتراف بالدولة، قد يكون صريحاً وقد يكون ضمنياً

وبعد أكثر من ثلاث سنوات على الحرب، لا زالت سوريا دولة ذات سيادة ـ هي في الأصل حاصلة على سيادتها منذ استقلالها ـ والحكومة السورية معترف بها محلياً من قبل أكثرية الشعب السوري ودولياً من قبل الأمم المتحدة والعديد من دول العالم.
ويعتبر الاعتراف بالحكومة كالاعتراف بالدولة، قد يكون صريحاً وقد يكون ضمنياً، ويتم الاعتراف الصريح عادة بعمل فردي، كإرسال مذكرة أو إبرام معاهدة بقصد الاعتراف. اما الاعتراف الضمني فينتج عادة من وقائع عدة مثل:
ـ الإفادة بتسلّم مذكرة بشأن تشكيل الحكومة الجديدة.
ــ الإبقاء على العلاقات الدبلوماسية.
ــ إبرام معاهدات مع الحكومة الجديدة.
ــ المشاركة في مؤتمرات دولية، مثل المؤتمرات التي تعقد برعاية الأمم المتحدة، وقد شاركت الحكومة السورية بمؤتمرات دولية عديدة أهمها «جنيف 1» و«جنيف 2».
ــ اعتراف الأمم المتحدة بالحكومة أو تجديد الاعتراف بها وقبولها في المنظمات الدولية، وقد شاركت الحكومة السورية في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها الأخيرة في ايلول 2014.

ثانياً: مكافحة الإرهاب ليست من استثناءات عدم التدخل

لقد حذرت الفقرة الرابعة من المادة الثانية في ميثاق الأمم المتحدة، من استخدام القوة في العلاقات الدولية، ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة. أضف إلى ذلك، أن الفقرة السابعة من المادة نفسها، صرحت بأنه ليس في الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما...».
ونصّ العديد من قرارات وإعلانات الأمم المتحدة، على عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول، حيث نص القرار 2131 كانون الأول 1965 على «إعلان عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحماية استقلالها وسيادتها». وهذا ما أكده القرار (103/39//RES (A 9 كانون الأول 1981، (إعلان بشأن عدم جواز التدخل بجميع أنواعه في الشؤون الداخلية للدول) وهناك قرارات واتفاقات دولية عديدة في هذا المجال.
تعتبر النزاعات على السيادة من أكثر النزاعات خطورةً، لأن سيادة الدولة لا تتجزأ، لذلك فإن توجيه أي ضربة لـ«داعش» في سوريا دون إذن الحكومة السورية كان سيعتبر خرقاً للسيادة السورية واستهدافاً لاستقلالها وسلامة أراضيها، لان مكافحة الإرهاب لم يشكل حتى الآن استثناءً من استثناءات مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول. مع أن أميركا قامت بإبلاغ سوريا بهذه الضربات قبل حدوثها، إلا أنه يمكن تسجيل نقاط عدة على عدم قانونية التحالف الدولي وشن ضرباته في سوريا:
1ــ أن التحالف الدولي القائم استثنى سوريا عن المشاركة بالتحالف الدولي، علماً أنها أكثر الدول تضرراً من الإرهاب وكان باستطاعته تزويد الحكومة السورية بما يلزم للتصدي لـ«داعش» كما حصل مع العراق. كما استثنى دولاً اساسية لمكافحة الإرهاب، كإيران وروسيا ولا يمكن لتحالف أن يكون ذات وجهة واحدة وبقرار واحد.
2ــ القرار 2170 وإن كان يشير إلى الذهاب نحو استخدام القوة ضد الجماعات الإرهابية إلا أنه لم يسمح بخرق سيادة الدول، كما أنه لم يتم التنسيق مع الأمم المتحدة أو داخل مجلس الأمن الدولي لإنشاء هذا التحالف بل كان بقرار أميركي فقط.
3ــ تسليح المعارضة السورية لإسقاط النظام السوري أي استهداف الدولة السورية وإعلان ذلك صراحةً.
4ــ هناك دول في التحالف متهمة بدعم الجماعات الإرهابية تمويلاً وتسليحاً. كما أن اميركا التي نظمت هذا الحلف لها تاريخ طويل في أعمال إرهابية، فهي التي تدعم الكيان الصهيوني الذي قام ويقوم بارتكاب أبشع المجازر في فلسطين والدول العربية، وقد قامت أميركا بحروب طويلة وبمجازر بشعة في العديد من دول العالم، اليابان، فييتنام، افغانستان والعراق، ولديها باع طويل في هذه الأعمال وسجن أبو غريب ومعتقل غوانتنامو يشهد، كما تعتبر واشنطن شريكاً أساسياً في استهداف سوريا.
5ــ أن التحالف ليس تحالف انداد بل إنه يقوم على قيادة أميركية لمجموعة من الدول المرتهنة له.
6ــ عدم التنسيق الايجابي مع سوريا حول الضربات بمعنى أن يحصل تنسيق عسكري بين سوريا والتحالف. وإذا كان مجرد إبلاغ سوريا بحصول الضربات والقبول الضمني بذلك قد يكون تقديم لمخرج أميركي لعدم خرق السيادة السورية، فالاستمرار بهذا القصف من دون التنسيق الدائم معها يعني عدم الالتزام بسيادتها.
7ــ حتى الآن لم يحدد توقيت لانتهاء هذه الضربات وهذا ما يثير الريبة من هذه الضربات. وهناك خشية من القيام بعدوان كامل على سوريا تحت ذريعة مكافحة الإرهاب أو استهداف مراكز الجيش السوري.
8ــ إن «إسرائيل» كانت على اطلاع بالهجمات الأميركية، وهذا ما تشير إليه صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية.
ويمكن القول، إن الادعاء بحق الدفاع عن النفس ومكافحة الإرهاب، لا يعطي الإذن لأي دولة أن تعتدي على دولة أخرى طالما انها لم تمس بها وبأمنها، فسوريا ليست معتدية إنما معتدى عليها وهي لها المصلحة الأولى بمحاربة تنظيم «داعش».
إن أي استهداف لـ«داعش» في سوريا، يجب أن يكون وفق مراعاة نصوص القانون الدولي، وضمن حفظ سلامة الأراضي والاستقلال السياسي لسوريا بشكل دائم. وإلا فإن العمل بعكس ذلك، سيشكل انتهاكاً واضحاً للميثاق الأممي، وسيكون تدخلاً سافراً في شؤون الدولة السورية.
* صحافي لبناني