العبوة في مزارع شبعا، امس، ليست حادثة من زمان ومكان منفصلين عن المشهد الكلي للبنان والمنطقة. العملية، بدلالاتها، وأيضا بإعلان حزب الله المسؤولية عنها، رسالة في إتجاهات مختلفة.
منذ أن بدأت الأحداث في سوريا، أملت تل ابيب أن يفضي مسار الجبهة التي فتحت على المقاومة انطلاقاً من الساحة السورية، الى اشغال الحزب الى الحد الذي يتيح لها فرض معادلات جديدة عليه، سواء في الساحة اللبنانية او خارجها.
مر هذا المسار بمحطات كثيرة كان أبرزها، وربما أخطرها، مطلع هذا العام عندما اعتدى الإسرائيلي على موقع لحزب الله في جنتا البقاعية، اللصيقة بالحدود اللبنانية مع سوريا. في حينه، ظنت تل أبيب أن الأوان قد آن لاقتناص الفرصة. إلا أن رد الحزب أسقط كل الرهان، رغم ان اسرائيل بقيت تتحيّن الفرص.
تفجير تل أبيب لجهاز التنصت الاسرائيلي الذي كشفه حزب الله في منطقة عدلون، قبل اسابيع، أمر «مفهوم وطبيعي» ويأتي في سياق المواجهة الامنية بين الطرفين. لكن ما حصل ان اسرائيل تعمّدت قتل احد المقاومين خلال التفجير، وهو الشهيد حسن علي حيدر، في محاولة لفرض معادلة جديدة في الساحة الجنوبية، تمهّد الطريق امام اعتداءات اخرى أوسع واشمل وأكثر خطورة.
النظرية والرهان الاسرائيليان كانا واضحين، ويستندان الى تصور وتقدير بأن حزب الله مشغول بمواجهة الخطر التفكيري في الساحة اللبنانية، وبالتالي لن يكون في وسعه العمل على جبهتين.
كان اعتداء عدلون سافراً وابتدائياً، وعلى الارض اللبنانية، وتجاوزاً للمعادلة التي رست عام 2006. وبيان حزب الله الذي حمل اسم الشهيد، في اعقاب العبوة، لا يحتاج الى كثير من التحليل والتفسير.
في الوقت نفسه، رسالة العبوة والبيان وتحمّل حزب الله المسؤولية عنها، بما لا يقل أهمية عن تنفيذ العملية نفسها، قد لا تكون موجهة الى العدو الاول، اسرائيل، وحسب، بل للاعداء الآخرين، سواء وصفوا بـ»الثوار» او بالارهاب التكفيري المتطرف.
فبعيداً عن توجيه الاتهامات، لا يمكن أحداً ان يشكك في ان الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان تتكامل مع اعمال التكفيريين. التهديد الاسرائيلي من الجنوب، يتكامل مع التهديد التكفيري من الشرق.
تل ابيب تحاول شل قدرات حزب الله الاستراتيجية، بحيث تسمح للتكفيريين بأن يستفيدوا من هذه المحاولات وتشتيت اهتمامه. في المقابل، يفرض التكفيريون انفسهم اولوية على الحزب ، ما يتيح لإسرائيل فرض معادلات جديدة في الساحة الجنوبية. والطرفان يستثمران افعال بعضهما واعتداءاتهما. هذا هو القدر المتيقن الذي لا يمكن التشكيك فيه، وقد ترجم ذلك في اكثر من محطة زمنية ومكانية، تزامنت مع التهديدات التكفيرية.
للوهلة الاولى، يمكن القول إن الخطر الاسرائيلي والخطر التكفيري أطبقا على حزب الله من جهة الجنوب والشرق. لكن الرسالة العملية لحزب الله اوصلت الجواب الى الطرفين معاً.
هل هذا يعني الغاء التوثب الاسرائيلي لاقتناص الفرص؟ بالتأكيد لا. لكن الحد الادنى انه الى ما بعد 07/10/2014، تم اسقاط الرهانات الاسرائيلية. اما الى متى؟ فلكل حادث حديث... ورد وعبوات.
2 تعليق
التعليقات
-
القوة لا توقفها إلا القوةإسرائيل والمتطرفون التكفيريون لا يؤمنون سوى بلغة القوة.. وأي سكون أمامهم سيعتبرون ضعفا .. ما يفل الحديد إلا الحديد
-
زراعة الوهم بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على الأزمة السورية تكشفت الحقائق التي كانت مخفية و تأكّد أن هذه الأزمة ليست إلاّ حربا تدميرية ترعاها الأنطمة العربية الرجعية المتحالفة جهارا مع الإرهاب التكفيري الذي ألبسوه لبوس الثورة زورا و بهتانا ، و سرا مع الكيان الصهيوني لتحطيم محور المقاومة و تمرير مشاريع الاستسلام و الخضوع للمحتل الغاصب . لقد عملت قطعان المسلّحين منذ الأيام الأولى على جرّ حزب الله للدّخول في المواجهات الدائرة في سوريا سواء بالتحرش بالقرى اللبنانية الحدودية أو باستفزازه إعلاميّا برفع الشعارات المناوئة له . و لم يكن ذلك إلاّ تلبية لرغباتها و رغبات رعاتها و أسيادها في إيقاد نار الفتنة الطائفية و المذهبية أولا و إلهائه و إشغاله عن واجبه المقدس بمواجهة العدو الصهيوني ثانيا . فالحرب الطائفية و المذهبية تحقق أهم مشروع صهيوني على الإطلاق ألا وهو تقسيم المنطقة و تفتيتها على أسس مذهبية و طائفية وهو ما يضمن أمن الكيان العبري و و جوده على المدى البعيد . أمّا إلهاء الحزب عن الجبهة الجنوبية فيحقق هدفا آنيا يتمثل في تشتيت جهوده بما قد يتيح للصهاينة الثأر لهزائهم المتتالية و تحجيمه أو على الأقلّ كسر معادلات الردع التي أرسيت عقب حرب 2006 و إعادة هيبة الجيش الصهيوني المتآكلة . لكن الذي حدث كان مخيبا لآمال الجماعات التكفيرية و انتظارات أسيادها و رعاتها . فلا حزب الله انشغل عن الجبهة الجنوبية و لا الجيش السوري انكسر و تشرذم . بل إنّ الأحداث لم تزدهما إلا خبرة و تجربة و تمرسا . لقد زرعت الجماعات التكفيرية و رعاتها الوهم فلم تجن و لم يجنوا غير الخيبة .