نجح فرع المعلومات أمس في العودة من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم في الحرب المفتوحة بينه وبين المجموعة المتهمة بخطف الأستونيين في آذار الماضي. فخلال الأسابيع الماضية، كان الجهاز الأمني الأكثر إثارة للجدل في لبنان قد انتقل إلى موقع الدفاع، بعدما فشل في توقيف أحد أبرز المطلوبين في قضية الأستونيين في بلدة عرسال البقاعية. حينذاك، كانت الصورة قد توضحت أمام «المعلومات». رُسِمَت خريطة جديدة للمجموعات المشاركة في العملية. وائل عباس، المطلوب الأبرز، لم يكن سوى رئيس مجموعة التنفيذ. خلفه، وقف كنان ياسين، أحد العقول المدبرة للعملية، وفوق الاثنين حسين الحجيري، الشاب الذي نجا بأعجوبة من عملية الدهم التي نفذها فرع المعلومات في عرسال يوم 11 أيلول الجاري. لكن اللغز بقي يلفّ اسم الجهة التي تقف خلف الجميع، والتي كان توقيف الحجيري سيؤدي إلى كشفها. (قد يكون فرع المعلومات قد حدّدها، إلا أن قيادته لا تزال متكتّمة على هويتها). وبحسب مسؤولين أمنيين، فإن الكمين الذي تعرّضت له دورية من المعلومات في جلالا يوم 16 الجاري أتت في سياق ثأر المجموعة لمحاولة توقيف الحجيري. منذ ذلك الحين، لم يتوقف فرع المعلومات عن العمل في البقاع. نشر دورياته في طول السهل وعرضه، ملاحقاً أفراد المجموعة. كاد أكثر من مرة أن يصل إلى بعضهم، لكن الحظ العاثر أحياناً، والإجراءات الأمنية الاستثنائية التي اتخذها المطلوبون أحياناً أخرى، حالا دون تنفيذ المهمة. أضف إلى ذلك أن فرع المعلومات كان يتحرك وحيداً في البقاع، من دون أي مؤازرة تُذكَر من الأجهزة الأمنية الأخرى، لأسباب لا تزال مجهولة.
المجموعة التي نفذت كمين جلالا كانت مؤلفة من أربعة أشخاص. سعى المعلومات إلى جمع أكبر قدر ممكن من المعطيات عنهم، بشرياً وتقيناً، إلى أن توصل إلى تحديد موقع اثنين منهم، حيث توافرت معلومات مفادها أنهما موجودان في منطقة راشيا. فجر أمس، حُدّدت ساعة الصفر لتوقيفهما. ولأجل ذلك، استقدمت مجموعة كبيرة من فرع المعلومات من بيروت إلى البقاع، حيث نفذت انتشاراً أمنياً واسعاً امتد من البقاع الأوسط الى البقاع الغربي وراشيا، مع زرع كمائن على مختلف الطرق الفرعية والدولية في المناطق المذكورة. وتقول المعلومات الأمنية إنه فجر الثلاثاء تحركت سيارة جيب من نوع شيروكي من بلدة خربة روحا سالكة الطريق الدولية نحو قرية عزّة حيث وقع كنان ياسين وشخص آخر يرافقه في الكمين. حاول رجال الأمن توقيفهما، إلا أنهما تخطّيا المكمن الأول، فوضعت أمامهما عوائق حديدية أدت إلى انفجار إطارات السيارة وانقلابها. ويصف مسؤول أمني رفيع المستوى المشهد قائلاً: «كان ذلك يشبه مشاهد أفلام السينما. كان أكثر من ثلاثين عسكرياً يصوّبون رشاشاتهم المزوّدة بأضواء اللايزر صوب المطلوبين. طلبوا من أحدهما أن يرمي المسدس الذي يحمله بيده، لكنه رفض، وبادر إلى إطلاق النار، فردّ رجال الأمن عليه وأردوه».
إطلاق الشاب النار أدى إلى إصابة اثنين من رجال المعلومات بجروح ليست خطرة. طوّقت القوة الداهمة المكان، واستدعت الأدلة الجنائية. وحتى ساعة متأخرة من ليل أمس، لم تكن هوية الشخص الثاني الذي كان برفقة كنان ياسين محسومة، بانتظار نتائج فحص الحمض النووي، علماً بأن مقارنة ملامحه بالصور الموجودة في ملفات فرع المعلومات تشير بنسبة تفوق تسعين في المئة إلى أنه منير ج. أحد المشتبه في مشاركتهم في عملية اختطاف الأستونيين.
وإثر الاشتباك ومقتل شخصين بارزين جداً من شبكة خطف الأستونيين، نفذت مجموعات من المعلومات عملية أمنية واسعة استمرت حتى مساء أمس، وانتهت بتوقيف عدد من الأشخاص المرتبطين بنحو أو بآخر بإيواء المطلوبين، من دون أن يكونوا بالضرورة على علم بهويتهم الحقيقية. ودهمت دورية كبيرة من الفرع بلدة كفردينس حيث أخضعت منازل لتفتيش دقيق. وقالت مصادر «الأخبار» إن البحث كان جارياً عن السوري محمد أحمد المعروف بحمودي ظريفة الذي ورد اسمه في أكثر من وسيلة إعلامية، طوال يوم أمس، كأحد القتيلين. وأوضحت المصادر أن «المعلومات» أوقف طبيباً في عيادته الكائنة على طريق الرفيد ــــ راشيا، إضافة إلى شخص مجهول الهوية. وتبيّن لاحقاً أن الطبيب، وهو اختصاصي في طب الأسنان، كان قد أجرى اتصالات من عيادته برقم هاتف أحد القتيلين. وتبيّن أن أحدهما كان قد حجز موعداً لدى الطبيب من أجل معالجة أسنانه، من دون أن يعرف الطبيب هويته. ولما تأخر عن موعده، اتصلت سكرتيرة الطبيب بهاتف الشاب، ما أدى إلى توقيف الطبيب ومساعدته، قبل تركهما فور معرفة حقيقة الأمر.
عملية أمس لن تكون الأخيرة. فبين فرع المعلومات ومجموعة خطف الأستونيين ثأر يعود إلى نيسان الماضي، عندما استشهد الرتيب في الفرع راشد صبري في بلدة مجدل عنجر على أيدي أفراد من المجموعة. وطوال يوم أمس أكمل فرع المعلومات نشاطه الاستعلامي، بهدف توقيف باقي أفراد المجموعة. وإضافة إلى الثأر، ثمة معلومات مؤكدة لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية، كشفها أمس وزير الداخلية مروان شربل، تشير إلى أن المجموعة ذاتها كانت تعدّ لتنفيذ عملية اختطاف جديدة لأجانب، بهدف طلب فدية مالية. وبحسب المصادر المعنية، فإن دهم عرسال أخّر تنفيذ العملية، ومن المتوقع أن تكون عملية فجر أمس قد أحبطتها إلى حين. وبحسب المعنيين، فإن أفراد المجموعة «استذوقوا» الخطف مقابل فدية، بعدما تيقّن الجانب اللبناني من أن الدولة الأستونية دفعت مبلغاً كبيراً من المال لقاء الإفراج عن مواطنيها.
وبعيداً عمّا يجري مباشرة في البقاع، ثمة سؤالان بارزان ينبغي طرحهما: الأول، يتّصل بغياب التنسيق والتعاون بين الأجهزة الأمنية المختلفة في قضية شديدة الحساسية. أما الثاني، فيتمحور حول موقف الدولة اللبنانية من السلطات الأستونية التي أنقذت مواطنيها، وتركت في لبنان حافزاً لاختطاف الأجانب وطلب الفدية، وهي لا تزال حتى اليوم ترفض تزويد اللبنانيين بما في حوزتها من معلومات عن الخاطفين.
بيان قوى الأمن الداخلي
وكانت شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي قد أصدرت بياناً تحدثت فيه عن العملية الأمنية التي نفذها فرع المعلومات في البقاع. وقال البيان: «إنه في إطار متابعة قضية خطف الأستونيين السبعة التي حصلت بتاريخ 23/3/2011 وتمكّن شعبة المعلومات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي من توقيف تسعة أشخاص من المتورطين وتواري الباقين عن الأنظار، وعلى أثر المتابعة وتشديد الخناق عليهم، أقدمت مجموعة منهم على اغتيال المؤهل أول راشد صبري من شعبة المعلومات في بلدة مجدل عنجر بتاريخ 10/4/2011 نتج منها مقتل أحد أهم أفراد العصابة المدعو درويش خنجر، كما قاموا بعدة عمليات سلب في منطقة البقاع الأوسط». وتابع «على أثر تحرير الأستونيين السبعة، تابعت شعبة المعلومات عملية ملاحقة أفراد العصابة، حيث جرى اعتراض أحد أهم الضالعين في القضية في بلدة عرسال بتاريخ 11/9/2011 بهدف توقيفه، فحصل تبادل إطلاق نار تمكّن المذكور على أثره من الفرار بعد إصابته. وبتاريخ 16/9/2011 تعرضت إحدى دوريات شعبة المعلومات لكمين مسلح في بلدة جلالا، ما أدّى الى إصابة رتيبين أحدهما إصابته بالغة، وبنتيجة التحقيقات تبيّن أن المجموعة نفسها قامت بنصب الكمين بعد قيام أفرادها بسلب سيارة من محلة جبّ جنين بغية استعمالها في تنفيذ العملية، وعمدت إلى إحراقها بالقرب من مكب النفايات في البلدة ذاتها بعد التنفيذ. وعلى أثر ذلك استمرت عمليات رصد ومراقبة أفراد العصابة، حيث جرى التعرّف إلى السيارة التي يستخدمونها، وهي من نوع شيروكي ليبرتي لون أسود سرقت من محلة خربة قنافار بتاريخ 31/8/2011، والتي تبيّن أن مستقلّيها قاموا بعمليات تخريب لعدة مزارات دينية في منطقة عميق ومحيطها». وختم بيان قوى الأمن الداخلي بالقول إنه «ليل تاريخ 19ـــ20/9/2011 رُصدت السيارة المذكورة على طريق عام راشيا، فأقامت قوة من شعبة المعلومات في محلة طريق عزّة ــــ قضاء البقاع الغربي حاجزاً بغية توقيف السيارة المشبوهة، وبوصولها إلى الحاجز رفض ركابها الامتثال، وأطلقوا النار باتجاه عناصر الحاجز الذين ردّوا على مصادر النيران، ما أدّى إلى مقتل شخصين مطلوبين كانا بداخلها على الفور، وإصابة عنصرين من القوى الأمنية، وتبيّن أن القتيلين من الأفراد الرئيسيين في العصابة. وبتفتيش السيارة، عُثر بداخلها على أسلحة حربية وقنابل يدوية وقناع ومستندات عائدة لأشخاص تعرضوا للسلب، كذلك دوهمت شقة كان أفراد العصابة يستعملونها، وعُثر بداخلها على أسلحة حربية وقنابل يدوية وصواعق كهربائية وغيرها. وما زالت التحقيقات جارية بإشراف القضاء المختص».
(شارك في الإعداد
نقولا أبو رجيلي وحسن عليق)



مجدل عنجر: قلق فوضى الموت

عاشت بلدة مجدل عنجر على أعصابها أمس. ضاع الأهالي في تحديد هوية من قتل من أبنائها في كمين «فجر السهل». فتضارب المعلومات الأمنية وإذاعة الأسماء أثارا موجة من البلبلة في البلدة. قتل وائل عباس. شاع الخبر في المجدل، وسرعان ما بدأ تدفّق معزّين إلى منزل ذويه. نصف ساعة وتعود الضحكة إلى منزل أهل عباس. خبر مقتله ليس صحيحاً. وأكد مسؤول أمني لـ«الأخبار» أن أحد أفراد عائلة عباس تلقّى رسالة نصية على هاتفه الخلوي يقول كاتبها إنه وائل وإنه بخير.
انتقل الحزن إلى منزل حمودي ظريفة، مع انتقال وسائل الإعلام إلى إذاعة اسمه. صدمة عند الأهل ووجوم يسيطر على الحارة. نحو ساعة وأقارب حمودي يتقبّلون التعازي من بعض الأهالي. فجأة دخل الفرح إلى نفوس الأقارب: «لم يمت حمودي. ما طلع هوي».
تضارب المعلومات و«أحجية» من قتل في كمين «فجر السهل»، رفعا من صدمة مجدل عنجر وقلقها من الآتي. حزن ففرح، فحزن ينتقل إلى منزلين آخرين: إنهما كنان ياسين ومنير جلول. انقسمت المجدل بين الحزن والفرح، وبقي القلق مهيمناً على بلدة تعبت من لعنة الجغرافيا والتاريخ.