بلاتر لم يكن نجماً أو حتى لاعباً محترفاً، زاول اللعبة في سنيه الأولى كهاوٍ، كان مجرد عاشق لها، لكنه رغم ذلك صنع إمبراطورية واسماً لن تنساه اللعبة طوال تاريخها. يكفي أن يُذكر اسم بلاتر حتى تتبادر الى الذهن سريعاً صورة الرجل القوي، المخيف، المحاط بهالة كبرى يصعب اختراقها أو المساس بها. هو لا يهاب شيئاً ويهابه الجميع.
المسألة لا تتعلق هنا برئاسة السويسري أهم مؤسسة رياضية في العالم وهي الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» لمدة 16 عاماً، وهو يتحضر لولاية خامسة السنة المقبلة، المسألة هنا تتمحور حول شخصية هذا الرجل وكيف تمكن من أن يحكم عالم الكرة بقبضة من حديد، كيف أنه يخطئ ولا يُلام، كيف يطال الفساد مؤسسته وتطاح منها رؤوس ويبقى هو جالس على كرسيه يعطي الأوامر ويصفق له الجميع، كيف يقضي على من يتجرأ على منافسته كما حصل مع القطري محمد بن همام الذي أُوقف مدى الحياة، أو يرعب آخرين ويسقطهم كما حصل مع الفرنسي ميشال بلاتيني، رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، الذي تراجع عن الترشح لانتخابات رئاسة «الفيفا» القادمة بعدما صرّح سابقاً بأنه «الوحيد القادر على اطاحة بلاتر»، كيف يجالس الرؤساء والزعماء والملوك والأمراء. كيف أن رجلاً في الـ 78 من عمره يواجه كل هذا الكم من الضغوط والأزمات والمشاكل وسيلاً من الخصوم، ويبقى صامداً. هنا المسألة تتعلق بما في داخل رأس هذا الشخص، وكيف تعمل خلاياه. هنا المسألة تتعلق بنموذج نادر، لكي لا نقول فريد، يتمثل ببلاتر، بغضّ النّظر عن الرأي السلبي أو الإيجابي به. رجل عرف منذ البداية من «أين تؤكل الكتف»: درس الاقتصاد والتجارة وعمل في العلاقات العامة وقليلاً في مجال الصحافة. ومن ثم ترأس نادي نوشاتيل بعد تجربة أولى رياضية كأمين عام للاتحاد السويسري للهوكي على الجليد. هذا التدرج الذكي والمزج بين هذه الاختصاصات، أتاح لبلاتر المقدرة على أن يدير الأمور برأس رجل الأعمال وبحنكة السياسيين وأن يصل الى القمة في «الفيفا» عام 1998 بعد دخوله اليها في 1975 كمدير لبرامج التطوير ومن ثم أميناً عاماً في 1981 فمديراً تنفيذياً في 1990. هو بلاتر الذي أبصر النور في منطقة فييج في جبال الألب قبل شهرين على موعد ولادته واقترحت جدته تركه يموت بسبب ارتفاع تكاليف رعايته قبل أن تمانع والدته ذلك. هو بلاتر الذي يحضر الى مكتبه في الساعة السادسة صباحاً رغم سنيه التي تشارف على الثمانين. هو بلاتر الذي «يمكن أن تسأله عن نتيجة فريق في الدرجة الخامسة في الدوري الإكوادوري فيعطيك الإجابة»، كما يقول صديقه اللاعب السويسري السابق جان بول بريغر. هو بلاتر الذي يوم أراد احتراف الكرة مع فريق لوزان بعد اشتهاره كهاوٍ في قريته بقدرته على تسجيل الأهداف واصطياد ركلات الجزاء، مانع والده ذلك وصرخ بوجهه قائلاً: «لا توقّع، كرة القدم لا تأتي بالأموال»، وإذ بهذه الكرة تأتي كلها إليه في كِبَره.