الموسيقى أيضاً هي طبخة كوسى، بأساليب مختلفة. أو يمكن أن تكون كذلك. ستشبه في كل مرحلة عمرية الجيل الذي يسكنه. أو بتعبير أدق، «ستيل» الجيل نفسه. هكذا، مثلاً، لا يشبه جيل فيروز جيل زياد الرحباني، وإن كانت أمه. ولا يشبه جيل زياد الرحباني جيل خالد عمران ـ صاحب مشروع «طنجرة الضغط»، تلك التي تسعى إلى إيصال «خفّة» الحرية التي لا تحتمل ـ وإن كان هذا الاختلاف لا يمنع أبداً «إنو يكون في تنسيق». لا شيء يأتي من العبث. ثمة «أساس» نبدأ منه وخط بياني لا ينتهي. في حالة خالد عمران، لاعب الروك على طريقة «ولاد المنطقة»، يمكن للـ»مرحبا» أن تنتج ألبوماً، من دون «ما كون عم فكر بالكلمات ومركّز أكتر على الموسيقى».
وبالعودة إلى الأساس، عمران هو واحد من «الحالمين» الذين تربوا على موسيقى زياد الرحباني، وعلى روح الدعابة لديه. ولكن، في مكانٍ ما اختلفت طريقة التفكير والتعبير. لم تعد مثلاً «اشتقتلك واشتقلي بعرف مش رح بتقلي (…)“ هي خاتمة الخط الموسيقي ولا يمكن في مكانٍ ما أن تشبه أغنية على نسق «شايف بهالحارة أطافيل. نازلين رفس بالفيل. والخنازير طايرة والعصافير صايرة ع سفر الفلاحين». ثمة فارق شاسع، هو نفسه الفارق بين جيلين.
في «طنجرة الضغط» التي بدأها عمران في سوريا والتي يكملها اليوم في بيروت منذ أواخر عام 2011، بات «البني آدم يتعامل مع أشياء محسوسة وليس بطريقة التعامل العاطفي، فحديثي إلى أمي سينبع من هنا من ارتباطي بها بحبل خلاص. أما مع الجيل الجديد، فثمة أشياء تتعدى المكان اللي بيصيب (ألقلب)”. ربما، هي «التكنولوجيا» وربما لأن أمه ابتعدت كثيراً. هي أول الخط البياني «اللي عم نمشي فيه ورح يكفيه غيرنا بأسلوب هو يراه مناسب». في كل جيل موسيقي، سيكتشف الآتون أن هناك معدات جديدة وأصواتاً جديدة وآلات لم تكن موجودة من قبل.
عمران، هو نفسه طنجرة الضغط التي تحمل الكثير من الأفكار والهموم والمشاكل والحروب، غير القابلة للانفجار. من هنا، مثلاً دور «التنفيسة» التي جرّب من خلالها إخراج أفكار عايشها، ليس مطلوباً أن تكون مقبولة وناجحة. فليس بالضرورة أن يفهم المتلقي ما يفكر به عمران. قد يحبه أو لا يحبه وقد لا يعنيه، ولكنه يؤسس لشيء ما. وفي حالة عمران، قد يكون «تتفيه» جدية كلام الأغنيات هو ما يحاول إرساؤه. هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فهي الإحساس بـ»أننا موجودون تماماً كما الآخرين موجودين كالفنانين البقية، وليس مطلوباً إلغاؤهم، وإنما إفساح المجال لجيل آخر». وبالنهاية «11 لاعب برازيلي ما بيختصروا البرازيل»، على حد قول الكاتب السوري الشاب علاء الرشيدي. قبل طنجرة ضغط الشعبوية التي أنتجت ألبوماً وحيداً إلى الآن هو «180 درجة»، لعب عمران تجارب موسيقية كثيرة، منها ما لاقى نجاحا، وخصوصاً تجربته في «تحديث» الأغاني الفولكلورية والتي ولدت من خلالها لينا شماميان عام 2005، ومنها ما لم يلق رواجاً كتجربته مع صديقه الموسيقي «ناريك» والتي حملت عنوان «فتت ولعبت».
ليس المطلوب هنا الفشل أو النجاح. المطلوب هنا تنفيس الضغط بنوع موسيقي سيؤسس لشيء لا محالة.