من التل الاثري قرب المرفأ، الى موقع لاندمارك في رياض الصلح وصولاً الى ميدان سباق الخيل الروماني في وادي ابو جميل، لا تزال العقارات التي اكتشف فيها مواقع اثرية في وسط بيروت،
تراوح بين خيار المحافظة على الاثار في مكانها مع ما يستلزم ذلك من تعويض على صاحب العقار واستملاك عقاره بالسعر التجاري الرائج، او الموافقة على تفكيك الموقع الاثري ونقله الى مستودعات وزارة الثقافة، على ان تجرى اعادة تركيب اجزاء منه ضمن الطبقة السفلية للبناء، ويتعهد المالك أن يحول هذه الطبقة الى متحف اثري يسمح بدخوله للعموم، ومشاهدة الموقع الاثري من خلال طبقة زجاجية تسمح بمشاهدة الاثار.
يشمل مخطط
الدمج في العقار ١٤١٠ وضع جداريات بتقنية ثلاثية الابعاد

يقول وزير الثقافة روني عريجي لـ «الاخبار» انه يقارب هذه المسألة بواقعية، فاستملاك العقارات التي اكتشف فيها اثار بعد قرابة ٢٠ سنة على اعادة اعمار الوسط التجاري لبيروت، تحتاج الى اموال طائلة لا قدرة للخزينة العامة على تحملها، اما عن طرح الجمعيات المدنية ان يتم اطلاق حملة تبرعات من قبل المغتربين لشراء هذه العقارات ، فيجده عريجي غير واقعي، لافتاً الى انه يتفهم حماسة المدافعين عن التراث، لكن افضل الممكن هو القبول بمبدأ التفكيك واعادة الدمج ضمن البناء المنوي تشيده في العقار.
عريجي جال الاسبوع الماضي على عدد من المواقع الاثرية مستمعاً الى شرح من قبل مسؤول الحفريات في مديرية الاثار اسعد سيف والمهندسة ديفينا ابو جودة لمشروع تفكيك ودمج المسرح الروماني في العقار ١٤١٠ في منطقة وادي ابو جميل. تبين من خلال الجولة في هذا الموقع الذي يقع في وسط منطقة امنية يحظر الدخول اليها الا باذن مسبق، ان المكتشفات الاثرية في هذا الموقع هي عبارة عن بقايا لمسرح روماني لم يحتفظ الا بمساحة صغيرة جداً من ارضيته أما الطبقات السفلية فتكشف عن اساس الاعمدة الصخرية التي تظهر نتوءات، كان يوضع فيها اعمدة خشبية هي عبارة عن الديكور المستخدم في المسرح اثناء العرض.
عريجي أكد خلال الجولة انه بعد ان عاين الموقع على الارض بات اكثر قناعة ان خيار التفكيك واعادة الدمج هو اكثر الخيارات واقعية وصوابية خصوصاً ان العملية برمتها ستجري على نفقة المالك، وسيدون على الصحيفة العقارية ان الطابق السفلي الذي سيعاد وضع الاثار فيه هو متحف للعموم. وشرحت المهندسة ابو جودة عن المخطط الهندسي الذي وضعته لعملية الدمج ويشمل وضع جداريات بتقنية ثلاثية الابعاد لكي يتمكن الزوار من مشاهدة الموقع الاثري بطريقة تحاكي الى حد بعيد ما كان عليه.
بدوره أكد سيف ان ‫عالم الآثار الهولندي هانز كورفرز‬ الذي تولى عملية حفر الموقع قد شارف على الانتهاء من عمله، ولقد حصل على منحة من جامعة المانية لكتابة منشور علمي عن المكتشفات الاثرية في المواقع التي عمل عليها في وسط بيروت ومن بينها هذا الموقع، لافتاً الى ان الدراسة العلمية اضافة الى دمج ما تبقى من الاثار ضمن البناء سيساعدان في الحفاظ على هذا الموقع وتوثيقه في الذاكرة الوطنية وضمه الى لائحة المواقع الاثرية في لبنان. ولفت سيف الى ان العقارات المجاورة للعقار ١٤١٠ والتي تضم ما تبقى من سباق الخيل الروماني سوف يجرى فيها اعمال تفكيك ودمج مماثلة اضافة الى ان بعض الاجزاء من العقار ١٣٧٠ سوف يحافظ عليها في مكانها، نافياً الإشاعات التي تحدثت عن اعمال تفكيك في العقار ١٣٧٠ ومؤكداً ان المديرية تقوم باعمال تعشيب روتيني.
ولفت سيف الى انه يمكن من خلال عملية التفكيك واعادة الدمج تشكيل وحدة متكاملة العناصر لموقع اثري يبدأ من العقار المذكور وصولاً الى العقار ١٤١٠ الذي يفصل بينهما الكنيس اليهودي في بيروت. وكشف سيف ان المديرية العامة للاثار تجري مفاوضات مع بلدية بيروت لكي تسمح بحفر العقار الملاصق للعقار ١٤١٠ لاًنه يعد امتداداً طبيعياً للمسرح الروماني، وبالتالي يمكن عند الانتهاء من اعمال البناء، تنظيم الزيارات الى الموقع الاثري في جميع هذه العقارات ضمن وحدة متكاملة تسمح للزائر بالتعرف على ما تبقى من سباق الخيل الروماني والمسرح.
لتثبيت وجهة نظره حول نجاح خيار الدمج، اقترح سيف على الوزير عريجي الانتقال الى مبنى في منطقة الصيفي حيث تم تفكيك واعادة دمج الحمام الروماني في الاجزاء السفلية منه. وكان فريق من علماء الآثار، بإدارة رولى رعيدي، عمل عام 2008، تحت إشراف المديرية، على الحفريات الأثرية في الموقع وتم اكتشاف الحمامات الرومانية بغرفها الثلاث (الساخنة والفاترة والباردة)، وأتى الاكتشاف ليثبت ضخامة بيروت الرومانية وغناها الفاحش.
عند الوصول الى الموقع شرح سيف للوزير عريجي التقنيات التي استخدمت لتفكيك المكتشفات الاثرية، وكيف اعيد تركيبها بطريقة تحاكي ما كانت عليه، وعلى مساحة تزيد عن ٤٠٠ متر تمكن مشاهدة الجدران الفخارية للحمام الروماني التي وضعت في الطبقة السفلية للمبنى، كما احتفظت مديرية الاثار بقاعة في الطابق الارضي ارضيتها من الموزاييك. ويقول سيف ان هذه القاعة سوف تستخدم من قبل المديرية لاقامة معارض وانشطة ثقافية.
بدوره أكد عريجي انه يسعى الى التعجيل في تنفيذ مشروع الهبة الكويتية بقيمة ٣٠ مليون دولار لاقامة متحف اثري في التل الفينيقي واعادة تاهيل التل لكي يكون اهم موقع في وسط بيروت.




ماذا عن المواقع التي تنوي الوزارة استملاكها؟ يؤكد عريجي ان المطروح في الوقت الحالي استملاك العقار رقم ١٤٧٤ الموجود في وسط بيروت، بالقرب من مبنى النهار، والذي يحتوي على آثار قيمة من الحقبة الفينيقية. خصوصاً ان هذه الآثار تكمل التي اكتشفت سابقاً في التل الفينيقي الاثري. ولفت عريجي الى ان عقار لاندمارك في رياض الصلح يحتوي على كمية كبيرة من الاثار وتتوجب حمايتها، لافتاً الى ان مسالة استملاك هذا العقار تحتاج الى مناقشة جدي في مجلس الوزراء ووزارة الثقافة تصر على استملاك هذا العقار.