الخرطوم | يشتكي علي أحمد وهو موظف في شركة خاصة، ويعيل أسرته الصغيرة المكونة من زوجته وأبنائه الأربعة، من معاناته في توفير متطلبات أسرته اليومية، بدءاً من وجبة فطور أبنائه وجميعهم تلاميذ، فضلاً عن توفير بقية طلبات اليوم لزوجته وهي «ربة منزل» لا تمتهن أي وظيفة.
يقول علي إن راتبه يكفيه بالكاد لمنتصف الشهر فقط، ويضطر شأنه ومعظم الموظفين إلى الاستدانة لإكمال باقي الشهر. ويضيف في حديثه لـ «الأخبار» بأن راتبه في السنوات القليلة الماضية ومع قليل من الاجتهاد في أعمال إضافية، كان يكفي الشهر وربما يفيض قليلاً، ولكن ومع الارتفاع الجنوني للأسعار وانفلات الأسواق دون وجود رقابة عليها، مع ثبات الرواتب وعدم زيادتها «تحولت حياتنا إلى جحيم». يشتكي علي في حديثه من أن هذا الأمر قد أثر على نحو واضح على صحته، فهو كثيراً ما يضطر للعمل لساعات طويلة في أعمال إضافية شاقة لأن راتبه الأساسي لا يغطي متطلبات أسرته.
استقرار الدولار على سعر ثابت فترة طويلة يمكن أن يؤثر ايجاباً في انخفاض الأسعار

بينما يرى أمجد محمد وهو موظف في القطاع الخاص أيضاً أن سياسات الحكومة الاقتصادية الخاطئة هي التي أوصلتنا إلى هذا الوضع المعيشي القاسي. ويقول لـ «الأخبار» إن غلاء أسعار السلع الأساسية كاللحوم والزيوت والحليب والسكر، فضلاً عن الخضروات والخبز أثقلت كاهله، وأصبح راتبه ينتهي قبل انتصاف الشهر. ويضيف بأن مبلغ 100 جنيه يومياً صار لا يكفي لشراء هذه السلع البسيطة لأسرته الصغيرة مع مصروفات أبنائه المدرسية، علماً بأن راتبه الشهري لا يتعدّى الـ 1000 جنيه أي ما يعادل 120 دولارا أميركيا. ولا يرى أمجد حلاً لكبح جماح الأسعار إلا في تراجع الحكومة عن سياسة تحرير الأسعار ووضع رقابة مشددة على الأسواق. ويراوح متوسط الراتب الشهري للعمال والموظفين في القطاعين العام والخاص، ما بين (500 -1000) جنيه سوداني، ما يعادل 50 إلى 100 دولار. بينما يقدر خبراء اقتصاديون تكلفة معيشة الأسرة المتوسطة في الشهر بـ2000 جنيه أي مايعادل 240 دولارا.
وتنتهج حكومة الانقاذ منذ مجيئها عام 1989 سياسة التحرير الاقتصادي التي أنهكت المواطن البسيط، بينما يرى منظروها أنها أسهمت في تعافي الاقتصاد.
وبالرغم من تأكيد خبراء اقتصاديين ينتمون إلى حزب المؤتمر الوطني الحاكم انخفاض سعر الدولار أمام الجنيه السوداني مؤخراً، إلا أن اسعار السلع الاستهلاكية لا تزال تواصل ارتفاعها. ويشير الخبير الاقتصادي، عبد العظيم المهل إلى أن المنطق يقول إن الأسعار ينبغي أن تنخفض بانخفاض سعر الدولار، لكنه يبرر عدم حدوث ذلك الآن بأن سعر الدولار لم يستقر بعد، وبأنه في حالة تأرجح دائم. وأضاف المهل في حديث لـ «الأخبار» أن انخفاض الأسعار يكون تدريجياً ويستغرق فترة من الزمن، وفي حالة استقرار الدولار على سعر ثابت لفترة طويلة، فإن ذلك يمكن أن يؤثر ايجاباً في انخفاض الأسعار.
ويوضح المهل أن السلع التي يمكن أن تتأثر أسعارها بانخفاض الدولار هي السلع والخدمات التنافسية، أما السلع الاحتكارية، سواء كان احتكار دولة أو أفراد، فلن تنخفض أسعارها وستعود أرباحها للمحتكرين فقط.
ومنذ عيد الأضحى، شهدت أسواق العاصمة الخرطوم والمدن الكبرى ارتفاعاً كبيراً في أسعار العديد من السلع الأساسية، كما حدثت ندرة وشح في الخبز.
ولم تفلح محاولات الحكومة لمحاربة موجة الغلاء بإنشاء أسواق خاصة بأسعار مخفضة في عدد من الأحياء، فاشتكى المواطنون من عدم جدوى تلك الأسواق لأن أسعارها لا تختلف كثيراً عن أسعار السوق، فضلاً عن عدم تغطيتها لكل المناطق السكنية.
كذلك لم تفلح تصريحات السياسين عن كبح جماح التجار الذين يتنافسون في وضع الأسعار على البضائع كل حسب هواه دون وجود رقيب أو رادع قانوني.
فيما رأى رئيس جمعية حماية المستهلك، ياسر ميرغني أن ربط ارتفاع الأسعار بارتفاع سعر الدولار مجرد شماعة وتغطية لسوءات المضاربين والجشعين من التجار، مشيراً إلى أن التاجر الصادق يحدد السعر التأشيري لسلعته، بينما يزيد الجشعون أسعار السلع، لذلك الآن فإن الدولار ينخفض والأسعار تواصل ارتفاعها. ويرى ميرغني في حديث لـ «الأخبار» أن سياسة التحرير الاقتصادي التي تطبقها الدولة لا تناسب وضعنا الحالي لأن التجارة أصبحت بلا أخلاق. وقال: «أنا أدعو إلى أخلقة التجارة».