جميع من يسمع أو يقرأ الحكم الذي أصدره رئيس محكمة المطبوعات القاضي روكس رزق، في دعوى وزير المال الأسبق فؤاد السنيورة ضد الزميلة رشا أبو زكي و«الأخبار»، يرفع حاجبيه مستغرباً. «الحكم المستأنف أشاد بالمستأنفة؟!» تسأل الرئيسة المنتدبة لمحكمة التمييز الجزائية القاضية مادي مطران «مستهجنة» أثناء مرافعة المحامية رنا صاغية، وكيلة الزميلة أبو زكي، خلال جلسة الاستئناف أمس.
تردّ صاغية بأنّ «رد الفعل هذا انتاب جميع المعنيين في القضية»؛ وهذا طبيعي، إذ إنه لم تحصل من قبل أن يشيد قاضٍ بـ«مهنية واتزان وموضوعية» صحافي ثم يدينه. لم تعد هذه القضية خاصة، وهي لا تعني فقط رشا أبو زكي و«الأخبار»، وإنما باتت قضية حق كل صحافي في أن يفتح ملفات الدولة، وتحديداً المالية منها، ليبحث عن الحقيقة ويشهّر بالمخالف إذا ثبتت إدانته، فمحكمة المطبوعات نشأت كي تضمن حرية الإعلام، ما يعني أن العقوبة يجب أن لا تُستعمل إلا في حالات استثنائية، لا أن تتجه نحو تكريس معاقبة الصحافي عند التعرّض لأي مسؤول.
طلب السنيورة تعويضاً
بقيمة 100مليون ليرة

أوّل ما طالب به محامي السنيورة طانيوس أبوأنطون خلال الجلسة هو تعويض شخصي قدره 100 مليون ليرة، فالزميلة أبو زكي أزعجت السنيورة فعلاً، وإزعاج وزير المال الأسبق قيمته 100 مليون ليرة. هي قضية «فساد مالي»، إلّا أنه لا يمكن استخدام هذه العبارة خلال الجلسة لأنها تدخل أيضاً في نطاق «إطلاق الأحكام»، سجّل محامي السنيورة اعتراضه منذ البداية. المفارقة تحدث هنا، فالمحامي أبوأنطون حضر عن المحامي محمد مطر وكيل السنيورة وعضو مجلس الإدارة في الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية «لا فساد». الجمعية نفسها كرّمت الزميلة أبو زكي منذ ثلاثة أشهر بدرعٍ نظراً إلى جهودها المتعلقة بفضح «الفساد المالي». هذه أيضاً يمكن تصنيفها بـ«المعجزة» مثل حكم القاضي رزق؛ نكرّم الصحافية لفضحها الفساد وندافع عن الجهة التي ارتكبت الفساد. روت أبو زكي للقاضية قصة الدرع، فردّ أبوأنطون بأن الدرع كان تكريماً لعملها بشكل عام. أما هنا فنتحدث عن مقالٍ معيّن. بالتأكيد، فالفساد يكون نسبياً لدى البعض، ويقتصر على أشخاص معينين. ولمن لا يدري «هناك أصول دستورية لملاحقة الوزراء والنواب والرؤساء وإصدار أحكام تشهيرية بحقهم في المقالات ليس ضمن هذه الأصول»، يقول المحامي أبوأنطون. يصر على أن المقال تعمّد التشهير بالسنيورة شخصياً، مؤكداً أن المستندات التي أبرزتها أبو زكي لم تتعرض «لشخص دولة الرئيس»، وإنما تحدّثت عن أخطاء قامت بها مجموعة من الأشخاص داخل وزارة المال. إذاً، يعترف المحامي بوجود أخطاء، وكان على القضاء التحرّك لملاحقة هذه الأخطاء عوض ملاحقة «كاشفة الأخطاء». تركّزت مرافعة المحامية صاغية على وجوب تطبيق المادة 387 من قانون العقوبات التي تبرئ «الظنين إذا كان موضوع الذم عملاً ذا علاقة بالوظيفة وثبتت صحته»، معتبرةً أن القاضي رزق تجاهل كليا هذه المادة ومجمل ما تمّ تقديمه من مستندات وتقارير ديوان المحاسبة، مستصغراً القوة الثبوتية لهذه التقارير. وتلفت صاغية إلى «تناقض وانحياز في قراءة القانون في الحكم المستأنف، إذ إن الحيثيات التي استند إليها الحكم من إشادة بعمل كاتبة المقال تجعل من اليقين أن تكون البراءة أمراً محتماً، إلا أنه حصل العكس لأنه لم يجر التدقيق في المادة 387». وقد حددت القاضية مطران تاريخ 29-1-2015 لإصدار حكمها في الدعوى، بانتظار أن تنجح في تصحيح مسار محكمة المطبوعات التي أصبحت عائقاً جدياً أمام عمل الصحافيين وحرياتهم.