رفض رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، أن يزوره النائب وليد جنبلاط من دون أن يتناول الأخير الغداء في معراب التي يزورها للمرة الأولى، فأرجئ اللقاء مدة أسبوع. فُرشت من أجل «البيك» أمس طاولة غنية بالأصناف، من لا يحبذ السمك يتناول اللحمة. أما اللذة فلا تكتمل من دون النبيذ.
قبل تبادل الأنخاب «بالصحة»، كان «تبادل ثقافي». تنبه جعجع إلى أن حليف حليفه السابق سيأتي متأبطاً الكتب، فطلب من أحد مستشاريه إحضار كتاب «فلسفة التاريخ» للفيلسوف الألماني فريدريك هيغل، إضافة إلى كتاب «نشأة المقاومة اللبنانية». رسالة جعجع لجنبلاط قالها له بوضوح: «للتاريخ اتجاه واحد لا يجب تجاهله». ستريدا جعجع انتقلت إلى جانب جنبلاط حتى تقدم له كتاب «فن الحروب» لسون تزو. انتقى جنبلاط كتابين، الأول «الزوهار» باللغة الآرامية. أما الكتاب الثاني باللغة الفرنسية، فدوّن عليه إهداءً باللغة نفسها «عزيزي د. جعجع، إنه تاريخ الجرائم المرتكبة باسم الله... مع كامل احترامي». كلمات جنبلاط أضحكت جعجع كثيراً.
لم يهتم جنبلاط إلى أن قيادة معراب رفضت أكثر من مرتين استقبال مرشح إلى رئاسة الجمهورية النائب هنري حلو، فاصطحبه معه، إضافة إلى النائبين غازي العريضي ونعمة طعمة، ليؤكد من مقر القوات أن «حفيد ميشال شيحا» هو مرشح اللقاء الديموقراطي.
العريضي: لم يُتَّفَق على الرئاسة، وإلا كنا توجهنا إلى مجلس النواب
اللقاء الذي دام قرابة ثلاث ساعات، والأجواء الإيجابية التي سربت عنه لا توضع إلا في خانة التسويق الإعلامي. فعملياً، لم يتطرق اللقاء إلى أي جديد، كذلك لم يُبحث فيه إلا موضوعان: الانتخابات الرئاسية وانعكاسات الأزمة السورية على الوضع الأمني اللبناني. يقول النائب أنطوان زهرا، الذي حضر اللقاء، إنه «لم يجرِ التطرق إلى موضوع التمديد النيابي ولا حتى العلاقة بين الطرفين في الشوف». تحدث الوفدان «عن المخاطر التي تحدق بالمنطقة وكيفية تلافي تداعياتها على الساحة الداخلية». أما في الموضوع الرئاسي، «فتوافقنا على ضرورة انتخاب رئيس جديد. لكن من المؤسف أن القرار بيد الفريق المعطل». يؤكد زهرا لـ«الأخبار» أن حضور «حلو لم يزعج الحكيم»، فالاعتراض كان «على السياق الذي رافق ترشيح حلو، إلا أن جعجع يكن المودة والاحترام له». صحيح أنه لم يُحدَّد موعد ثانٍ، «لكن التواصل قائم ولم ينقطع».
لا يتوقف حلو عند «الفيتو» القواتي على استقباله، «فالقصة قديمة والوضع تغير». يرفض أن يذهب أبعد مما صرح به جنبلاط، «اللقاء أتى في سياق جولاتنا على جميع المرجعيات. كان ممتازاً لأن كل طرف عبّر عن رأيه بصراحة»، وهو لم يقتصر على المواضيع السياسية، «الحديث كان متشعباً، والغداء طيب». من جهته، يقول العريضي: «نحن محكومون بالعلاقة بعضنا مع بعض، لأن البلد لا يبنى بالحساسيات». يصف اللقاء بـ«الجدي والإيجابي رغم التباين بوجهات النظر». لم يُتَّفَق على الملف الرئاسي، «والا كنا توجهنا إلى مجلس النواب وانتخبنا الرئيس الجديد». يقول إنهما تباحثا في الموضوع السوري وتداعيات وجود النازحين السوريين، قبل أن يعلق: «الهموم اللبنانية واحدة، لكن الاهتمامات ليست واحدة». يشدد العريضي على أهمية التلاقي والحوار «ولكن لا يعني ذلك أن طرفاً سلّم للطرف الثاني».
يعلّق أحد الصحافيين المخضرمين على اللقاء بالقول إن زيارة جنبلاط لجعجع أتت «بالاكراه». يقدر جنبلاط على أن «يتكيف مع جعجع، لكنه لن يتمكن من التحالف معه. لا يوجد قواسم مشتركة». يبرر الأمر بأن جعجع على العكس من أمين الجميّل أو ميشال عون «ليس ابن النظام، بل دخل إليه من طريق السلاح تماماً كما دخل آل الحريري إلى السلطة عبر المال». وليؤكد كلامه، يذكر كيف أنهما لم يجتمعا إلا بعد اغتيال رفيق الحريري، «وحتى في حينه كان جعجع حليف الحليف، وليس الحليف الطبيعي»، وكذلك سيبقى، ربما بسبب ثقل «الجرائم المرتكبة باسم الله».