طوال حقبة الحرب العربية الباردة، وحتّى أوائل سبعينيات القرن العشرين، لم ينظر الأميركيون الى النظام السعودي على أنّه يملك عناصر الاستمرار والبقاء، وتجنّبوا الاعتماد عليه كحليفٍ أساسيّ، معتبرين أنّ سقوط الملكيّة تحت تأثير الطوفان السياسي الذي كان يجتاح الأنظمة الرجعية آنذاك ما هو الا مسألة وقت. تزخر الأوراق الديبلوماسية من تلك الفترة بتوصيفات للنظام السعودي من نوع «متخلّف» و«خارج التاريخ»، وتشكيك في قدرة أسرة تجمع السلطوية الرجعية بسوء الادارة والفساد على التأقلم مع العالم الحديث المتغيّر.
في الحقيقة، لم تكن شكوك الاميركيين بلا أساس، فنحن نتكلّم على نظامٍ يحمل في بذوره أسباب انهياره. تاريخياً، ان كان في نظام الملكية الوراثية من حكمة، فهي في انّه يسمح بتجديد دماء القيادة كلّ جيل مع الحفاظ على مركزية السلطة واستمرارية المؤسسات. امّا نظام وراثة العرش في السعودية، فهو يتحدى كلّ منطق. انتقال الحكم بين الأشقاء يعني أنّ العرش لا يصل الى «الجيل الجديد» قبل أن يموت أصغر الأعمام، ولهذا السبب لن تتمكن المعادلة القائمة اليوم، وفي المستقبل المنظور، من انتاج ملكٍ يقدر على دخول الحمام من غير مساعدة. وبدلاً من أن تكون الوراثة محسومة ضمن فخذ محدّد في العائلة، والجميع يصطفّ حوله، يتحوّل الاخوة الى متنافسين، يقتسمون مؤسسات الدولة وينتظرون دورهم على رأسها.
ولكن من قال إنّ التاريخ يخضع للمنطق؟ نظرية آل سعود هي انّه، في منطقةٍ كالشرق الأوسط يندثر فيها ناصر وحركة التحرر العربي، ويزدهر أمثال الحسن الثاني والملك حسين، الحكمة تقضي بأن ترخي للرجعية عنانها، وتسلّم أمرك لأميركا، وتتوكّل. هذا النجاح غير المتوقّع أوصلنا الى مرحلة الوقاحة التي نعيشها اليوم، حيث يصير الكائن الذي انتجه اقتصاد النفط هو المهيمن والمثال. وما الترويج لـ «نموذج دبي» بين العرب الا تعبيراً موارباً عن هذه النزعة ــــ اذ أن لا أحد يريد أن يعيش في السعودية.
الحكم باعدام نمر النمر، الذي لم يرفع سلاحاً ولا حرّض على عنف ولا اتصل بجهات خارجية، هو رسالة لنا جميعاً، وليس للداخل السعودي فحسب، بأن النظام لا يريد التفاوض ولا يريد التعايش. هو يبلّغنا، بوقاحة، أنّ شروطه هي التي ستسري، وأن ثروة العرب ستظل ملكاً لعائلة، وأنّ عشرات ملايين الفقراء في المشرق العربي سيعيشون في حربٍ ووبال حتى يضمن هو بقاءه. آل سعود يقولون لنا بوضوح وجلاء إنّ لا مجال للمساومة، إمّا نحن أو هم.