لبنان، البلد الذي مدّد نوابه لأنفسهم سنة وخمسة أشهر، المرة الأولى عام 2013، ويسعون لفرض تمديد ثانٍ لفترة سنتين و7 أشهر، أوصى ـــ خلال المراجعة الدورية الشاملة التي يجريها مجلس حقوق الانسان في الأمم المتحدة ـــ دولة قرغزيستان باجراء انتخابات بصيغة منتظمة واحترام المواعيد الدستورية.
هذه المفارقة "العجائبية" كرّستها مشاركة رئيس المجلس نبيه بري وعدد من النواب في أعمال الاتحاد البرلماني الدولي، حيث انتخبوا رئيسا للاتحاد. حق الانتخاب هذا هو نفسه الذي تريد الطبقة السياسية أن تحرم منه المواطنين اللبنانيين للمرة الثانية.
فانتهاك الدستور صراحة، ومخالفة القوانين ابان التمديد الأول، لم يمثلا أي رادع للنواب لعدم اقرار قانون التمديد للمجلس النيابي، لا بل قطعوا طريق الطعن بالقانون أمام المجلس الدستوري، عبر تعطيله، لاقتناعهم بأن قانونهم باطل دستوريا. "محتلو البرلمان" كما وصفهم الناشطون خلال التظاهرات الرافضة للتمديد، يحاولون تكرار فعلتهم. ولأن كافة الوسائل القانونية داخل لبنان قد استنزفت، قررت مجموعة "من أجل الجمهورية" اطلاق حملة دولية ضد التمديد للمجلس النيابي تبدأ بشكوى رفعت الى مجلس حقوق الانسان في الأمم المتحدة.
شرح خطار طربيه، خلال مؤتمر صحافي عقد أمس في نقابة الصحافة، السند القانوني للشكوى: المجلس النيابي ينتهك مجموعة من الحقوق والمبادئ التي تكرّسها المواثيق الدولية عبر التمديد، فخُرق مبدأ ديمقراطية الحكم القائمة على الشرعية الشعبية انتخابا ومحاسبةً، حق كل مواطن بالمشاركة في ادارة الشؤون العامة، ومبدأ دورية الانتخابات. هذه المبادئ الثلاثة يكرسها كل من الاعلان العالمي لحقوق الانسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اللذين وافق عليهما لبنان، وأدخلهما في مقدمة دستوره.
أما عن مبررات السلطة للتمديد، فرد الناشط مروان معلوف عليها بالاستثناءات الواردة في العهد الدولي، حيث تجيز المادة الرابعة منه للدول اتخاذ تدابير استثنائية للتعامل مع حالات طوارئ، إذ يمكن مثلا وقف الانتخابات إذا كانت الظروف تمثل "تهديدا لحياة الأمة"، أو خطرا "يشمل الوطن برمته"، أو "الخطر الوشيك الوقوع"، أو أن يكون "ذا درجة معيّنة من الشدة"، الا أن أيا من هذه البنود لا ينطبق على لبنان، إذ لم يصل تردي الأوضاع الأمنية، وشدة الخطورة، إلى حد اعلان حالة الطوارئ، لا ابان التمديد الأول ولا حاليا، "والا لما عطّلت السلطة عمل المجلس الدستوري".
تواجه تحركات "المجتمع المدني" الرافضة للتمديد، بمقولة أن الانتخابات وفق القانون الانتخابي المعتمد حالياً ستسمح للطبقة السياسية بإعادة إنتاج مجلس نواب مشابه للقائم حالياً. يردّ معلوف على هذه الفرضية التي يصفها بـ"الشعبوية" بأن الاعتراض على القانون الانتخابي لا يعني الغاء الانتخابات برمتها، "ما نناضل من أجله هو الحفاظ على حق المواطن بالاقتراع، دون اغفال المطالبة بقانون انتخابي له قدرة تمثيلية"، ويضيف معلوف بأن عدة تحركات قد نظّمت في فترات سابقة من أجل اقرار قانون انتخابي يعتمد النظام النسبي.
الشكوى ستقدّم، بالتوازي، وفق آليتين: الأولى عبر مجلس حقوق الانسان، الذي يقبل الشكاوى بعد استنفاد كافة الوسائل القانونية الداخلية؛ والآلية الثانية المخصصة للحالات الطارئة، عبر رفع الشكوى الى عدد المقررين الخواص للمجلس، وفي هذه الحالة سترفع الى المقرر الخاص بحرية التعبير، المقرر الخاص باستقلالية القضاء والمقرر الخاص المعني باقامة نظم ديمقراطية.
دور مجلس حقوق الانسان فعليا لا يتعدى حثّ الدول على احترام المعاهدات الدولية وحقوق الانسان، الناشطون يعملون على ممارسة ضغط في المحافل الدولية على النواب في لبنان، الذين بحسب معلوف "تهمهم صورتهم في الخارج أكثر مما تهمهم في الداخل". ويضيف معلوف: "الهدف الثاني لرفع هذه الشكوى اعادة الاعتبار للقانون وتصويب النقاش في لبنان حول ضرورة احترام الدستور والقوانين التي تكفل حقوق المواطن الأساسية".