عدن | تشهد الساحة الجنوبية في اليمن، هذه الأيام، عملاً جدياً يضع «الحراك الجنوبي» على طريق تحقيق مطالبه القديمة بالانفصال عن الحكومة المركزية، أو ما يسميه «فك الارتباط» عن الشمال. حفّز الوضع العام في البلاد الذي أنتجه سقوط معظم المحافظات الشمالية بيد جماعة «أنصار الله»، الجنوبيين على السعي إلى اغتنام الفرصة «التاريخية» لتوحيد صفوفهم، وإحياء حلمهم القديم.قبل أسبوع، نصب «الحراك» الخيام في ساحة العروض في عدن، إيذاناً بانطلاق «التصعيد»، حتى تحقيق المطالب التي نصّ عليها البيان السياسي الصادر عن تظاهرة «الحسم» في ذكرى «ثورة أكتوبر». طالب البيان بسحب القوات الشمالية وبرحيل الموظفين من أبناء الشمال في مهلةٍ أقصاها 30 تشرين الثاني المقبل. الأحداث المتسارعة في البلاد، خلقت انقساماً جنوبياً على نوعية التصعيد. مكونات في «الحراك» تريد تكرار تجربة الحوثي والبدء بإسقاط المناطق في الجنوب حتى إعلان الدولة الجنوبية.
فريقٌ آخر يرى أن القيام بهذا العمل صعبٌ في ظلّ عدم توحيد المكونات الجنوبية وإيجاد تحالف سياسي، وفي ظلّ انتشار مسلحي «القاعدة» في بعض مناطق الجنوب. لهذه الأسباب، يؤمن هذا الفريق بضرورة اتباع النهج السلمي الذي يمثله اعتصام عدن، قبل نقله إلى كل المحافظات الجنوبية.
يتزامن هذا التصعيد مع جهود مكثفة تبذلها قوى «الحراك» لتوحيد المكوّنات الجنوبية. فقد أُعلن في عدن إنشاء مجلس «الإنقاذ الوطني الجنوبي»، وهدفه «الحفاظ على وحدة الجنوب واستعادة الدولة الجنوبية من خلال تقرير المصير». ويضم 25 مكوناً سياسياًً، من الذين شاركوا في الحوار الوطني اليمني. أما القوى الأخرى فهي ترى الحلّ في الفدرالية المزمنة التي تصل إلى حق تقرير المصير.
وقبل أسبوع، أُعلن في عدن دمج «المجلس الأعلى للثورة السلمية الجنوبية» مع «المجلس الأعلى للحراك»، في مكوّن واحد أُطلق عليه اسم «المجلس الأعلى للثورة الجنوبية»، في خطوة عدَّها البعض ستدفع بمسيرة «الحراك الجنوبي» نحو وحدة الصف والتحام قادته وفصائله المؤثرة والفاعلة في الساحة. بالتزامن مع هذه الخطوة، عادت إلى عدن قبل أيام قيادات جنوبية كانت مقيمة في الخارج بينها سلطان يافع السفلى، فضل محمد عيدروس (حُلّت السلطنة عام 1967) الذي زار مقر الاعتصام، تعبيراً عن تأييده للتصعيد.
مصادر من الجنوب قالت لـ «الأخبار» إن مكونات جنوبية ما زالت في السلطة في صنعاء «ستعلن انضمامها لساحات الاعتصام وتأييد أهدافه». وأضافت أن قيادات جنوبية كبرى بينها ضباط كبار وأعضاء مجلس نواب وشورى وأعضاء المجالس المحلية سيعلنون انضمامهم لـ «الثورة الجنوبية» قريباً، في خطوةٍ قد تخلط أوراق النظام اليمني في صنعاء وتزيد من الأزمة التي تعانيها سلطات الدولة. المتحدث الرسمي باسم المنتدى الأكاديمي الجنوبي عيدروس اليهري، قال إن الاعتصام «تلبية لهبّة شعب الجنوب للاحتشاد والتوافق لإنجاز هدف شعب الجنوب في الحرية والسيادة»، مضيفاً أن هذا التجمع الكبير الذي يمثل كل مديريات ومحافظات الجنوب «سينجز بكل تأكيد هذه المهمة النضالية النبيلة التي قدم من أجلها خيرة شبابه من الشهداء والجرحى والمعتقلين».
وقال إن مهمة المنتدى الجنوبي الأكاديمي هي تنظيم هذه التظاهرة الكبيرة، جنباً إلى جنب مع رجال القانون وبقية منظمات المجتمع المدني، موضحاً أن المهمة الأولى هي «التوافق حول قيادة مؤقتة من مكونات الثورة الجنوبية، تحمل رؤية سياسية تعبر عن هدف شعب الجنوب في الحرية والاستقلال ليستطيع المجتمع الدولي التخاطب معها، وكذلك مع الإقليم، لترتيب التفاوض الندّي مع ممثلي الجمهورية العربية اليمنية تحت إشراف إقليمي ودولي».
بدوره، أكد أحد القياديين الجنوبيين العائدين من الخارج فيصل الكلدي أن العودة إلى عدن هي لمشاركة أبناء الجنوب في ذكرى «ثورة أكتوبر» ولعقد لقاءات مع شخصيات جنوبية بهدف ترتيب البيت الجنوبي لتتويج لقاءات ومشاورات سابقة بعمل على الأرض، «حيث تكللت تلك المساعي بالإعلان عن مجلس إنقاذ جنوبي يشمل العديد من المكونات الجنوبية». وبالنسبة إلى مجلس «الإنقاذ»، قال الكلدي إنه يمثل إنجاز مهم وتاريخي، وبداية في الطريق الصحيح، داعياً المكونات الأخرى إلى لمّ شملها إما عبر الانضمام إلى المجلس أو ترتيب صفوفها في مجلس آخر يكون رديف له. وأكد الكلدي أن الأهم يبقى الوصول إلى تحقيق أهداف شعب الجنوب، مشيراً إلى ضرورة الابتعاد عن التخوين والتشكيك والتصنيف».