كل حكايات بشري مقدسة: الأرز أرز الرب، والوادي وادي القديسين، و«من هنا» صعد يسوع إلى السماء. أجراس الكنائس الكثيرة لا تتوقف عن «الدق». هنا، لا تُسمع أصداء القصف من البقاع، ولا أصوات الاشتباكات بين الجيش والمسلحين في طرابلس. لكن أهلها قلقون من «داعش» وأخواتها.
ليس مفاجئاً أن لا تجد أحداً هنا يكن ودّاً للنظام السوري. في فرن صغير، يقول أحدهم: «لم يكن يوماً في نظرنا إلا محتلاً». وإبان الوجود السوري، كان نائبا المنطقة قبلان عيسى الخوري وجبران طوق على علاقة جيدة بالنظام، لذلك كانت «التجاوزات تُحل» من قبل النائبين «مباشرة مع الشام». يحمّل البشراويون سوريا المسؤولية عن ما عرف بـ «مجزرة الأرز» في ثمانينيات القرن الماضي، والتي ذهب ضحيتها 15 شاباً «سحقتهم الدبابات السورية». لذلك لم تعنهم الازمة السورية، «ولم نهتم لمعارضة أو موالاة».
يقول رئيس بلدية بشري أنطوان طوق إن «النقزة» من النازحين بدأت بعد هجوم «داعش» على الجيش في عرسال في 2 آب الماضي. «تحوّل كل سوري، في نظر الأهالي، إلى مشروع إرهابي». لكن اللافت أن «الانزعاج من السوري» يزيد أو ينحسر تبعاً للمصلحة. فمع حلول موسم قطف التفاح علت الصرخة بسبب ضعف المحصول الزراعي، ولعدم وجود أعداد كافية من العمال السوريين. يقول «الريس» إن التداعيات لدى أهالي بشري «نفسية أكثر منها شيئاً آخر. هم خائفون لأنه لم يظهر في التاريخ الحديث ظاهرة أخطر من داعش».
يسكن عاصمة القضاء نحو 280 عائلة سورية، أي حوالى 1500 شخص، «جميعهم تحت المراقبة وأسماؤهم مسجلة لدينا» وفقاً لطوق. ويضيف: «منعنا التجول ليلاً إلا لمن يحمل تصريحاً من البلدية، ومنعناهم من استخدام الدراجات النارية»، مؤكّداً أن البلدية «تمنع التعدي على السوريين»، لكن في الأزقة حديث آخر. يروي أحد شباب المنطقة عن اعتداء عدد من الشبان على مسكن للنازحين، «إضافة إلى توزيع بيان عنصري ضد السوريين».
لا مظاهر أمن ذاتي في بشري، استناداً إلى رئيس البلدية، «الشرطة والحرس الليلي يسيّرون دوريات». أما التسلح الفردي، فـ«بيوت لبنان كلها مليئة بالسلاح»، مؤكّداً أن الأحزاب لا تؤدي أي دور، «ونحن لا نطالبها بشيء».
يؤكد إميل رحمة، أحد مختاري «الحي التحتاني» ، خوف الناس من «داعش»، و«تحديداً من الغدر». تصل بشري إلى حدود بعلبك، عيناتا، دير الأحمر وبرقا «على هذه المساحة ينتشر نحوعشرين ألف مقاتل بشراوي. نحن على استعداد دائماً». وبالمنطق نفسه، يتحدث مسؤول تيار المردة في القضاء طوني متى: «عسكرنا جاهز». السكان يطلبون من المردة التسلح «رغم أن أغلبهم يملك السلاح الفردي، إلا أننا لا نلبي أي طلب جديد». ويعزو خوف البشراويين إلى أن «مجتمعنا منغلق، إضافة إلى أن ممارسات داعش تخيفهم». أما عمل الأحزاب فـ «يقتصر على طمأنة الناس إلى أن الخطر في طرابلس وليس عندنا»!
لكنْ للقوات اللبنانية رأي آخر. إذ يؤكد منسق الحزب في القضاء جوزف إسحاق، أن «لا خوف من السوريين. القلق هو على الوضع اللبناني عموماً». ويضيف: «لم يحصل شيء بعد يستدعي الخوف». تسلم القوات أمرها للقوى الأمنية «التي تقوم بمهماتها على أكمل وجه». استناداً إلى إسحاق، لم يطلب البشراويون التسلح من القوات، «أصلاً من أين سنأتي لهم بالسلاح؟».