القاهرة | الحدث جلل والمصاب أليم. لكن كالعادة، فشلت وسائل الإعلام المصرية في التعامل مع المذبحة في مدينة الشيخ زويد (شمال سيناء)، فيما حمّل السياسيون الإعلام كل المصائب. منذ الجمعة الماضي حتى أمس، شهدت الشاشات الحكومية والخاصة حالة غير مسبوقة من الاضطراب بعد استشهاد 30 عنصراً من الجيش في هجمات إرهابية في الشيخ زويد.

هذا الاضطراب بدأ من تأخّر التلفزيون المصري في بثّ الخبر مقارنة بالقنوات الخاصة، ثم عدم التزام تقاليد الحداد الذي أُعلن رسمياً بعد ساعات من الحادث، وصولاً إلى تكرار التصريحات التي تخرج كلّما تعرّض الجيش لهجمات باتت معتادة منذ عزل الرئيس محمد مرسي في يوليو (تموز) 2013. ما جرى على الشاشات المصرية طوال الساعات الـ 48 الماضية عصى على الاختزال، لكنّ خطوطاً عريضة يجب الإشارة إليها لأنها سترسم ملامح الأداء الإعلامي في المرحلة المقبلة.
تأخّر التلفزيون الرسمي في
الكشف عن تفاصيل الحادث
«ماسبيرو»، أي التلفزيون الرسمي، تأخّر ساعتين أو أكثر في الكشف عن تفاصيل الحادث. كذلك لخّص الواقعة باستشهاد وإصابة عدد من الجنود، من دون توثيق الرقم، رغم أن باقي الشاشات أعلنته باكراً، مع الاستفاضة في نشر أخبار الإدانة دون تفاصيل الحادث نفسه وأسماء الشهداء وغير ذلك. هذا الأمر دفع الإخوان المترّبصين بنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى القول بأن الحادثة نفسها تمثيلية أو أن الجنود سقطوا في ليبيا حيث توجد قوات مصرية هناك على حدّ ادعائهم.
بدورها، فتحت قناة «الجزيرة مباشر مصر» الهواء لمداخلات هاتفية من مواطنين محسوبين على مرسي ليكرّروا الرواية هذه مرات عدة، ما زاد من الغضب على المحطة القطرية في الشارع المصري. كذلك أعاد الانتقادات من سوء تغطية وسائل الإعلام التي فتح تأخّرها ثُغَراً للتشكيك في ما حدث. بعد إعلان الحداد مساء الجمعة الماضي، بدا واضحاً أن الشاشات المصرية حكومية وخاصة غير مستعدّة لذرف الدموع على شهداء الوطن. معظم القنوات قدّمت بثاً متوازناً بين البرامج الإخبارية والدينية والأغنيات الوطنية وبرامجها التقليدية.
وفيما أوقفت قناة «النهار» عرض برنامج «يلا نرقص» مساء الأحد، طاولت «أم. بي. سي. مصر» انتقادات حادّة بسبب عرضها برنامج «أراب آيدول 3» مساء السبت. وبات السؤال مطروحاً عن فائدة الشريط الأسود أعلى يسار الشاشة إذا كانت القنوات، سواء المصرية أو التي تحمل اسم مصر مثل mbc، لن تلتزم الحداد الكامل؟ مساء الجمعة أيضاً، لم يغيّر أحمد موسى مقدّم برنامج على «مسؤوليتي» (قناة «صدى البلد») من لغته التحريضية، وطالب بمنع أيّ «كلب» من التظاهر في الجامعة، واستخدام «قانون الطوارئ ضدّ المعارضين أيّاً
كانوا».
نتيجة لذلك، تعالت الأصوات بضرورة التزام الإعلام وحدة الصف والتوقف عن تشويه «ثورة يناير» للعودة من جديد إلى تحالف «30 يونيو» الذي انقضّ عليه فلول مبارك على حدّ وصف المراقبين.
اجتمع رئيس «اتحاد الإذاعة والتلفزيون» عصام الأمير مع أعضاء «غرفة صناعة الإعلام» وأصدروا بياناً أكّدوا فيه أن «الإعلام المصري قادر على الارتفاع إلى مستوى التحدّي الذي يخوضه وطن يَبني ويُحارب، وهذا الإعلام سيُعلي ضميره المهني والوطني.
فمن حقّ المصريين أن يجدوا في وسائل إعلامهم الحقائق الموثقة، والأخبار المدققة، والآراء التي تفتح أمامهم آفاقاً في الاقتصاد والدين والفنّ التي يجب أن يشارك فيها كل صوت وطني.
كل هذا يحدث بعيداً عن ادعاء البطولة الزائفة أو إثارة نزاعات مختلفة أو تصفية الحسابات الشخصية والمصالح الضيقة». وفيما ترقّب الجمهور تفاعل الإعلاميين مع هذا البيان، استبقت قناة «النهار» الجميع ومنعت محمود سعد من الظهور في حلقة السبت من برنامج «آخر النهار» من دون إعلان رسمي عن الأسباب، ما أدى إلى انتشار شائعات حول تصريحات شهدتها حلقة البرنامج مساء الجمعة أدّت إلى استياء رسمي من أداء سعد. وهو الاحتمال الذي يفسّر بياناً صدر عن «النهار» عصر السبت يؤكّد أن القناة «لن تسمح لمروّجي الشائعات وهؤلاء الذين ينالون من معنويات الجيش المصري بالظهور مرة أخرى». وحتى صباح اليوم الاثنين، لم يكن معروفاً ما إذا كان سعد سيعود إلى تقديم حلقة الأربعاء المقبل من «آخر النهار» أو يغيب عن الشاشة نهائياً. حالة الفوضى امتدت إلى انتشار شائعات قطع الهواء على عمرو أديب مقدّم برنامج «القاهرة اليوم» على قناة «أوربت»، ومحمد شردي مقدّم «تسعين دقيقة» على محطة «المحور».
الأوّل نفى الخبر وقال إنّ عطلاً فنياً قد حدث، والدليل أنه عاد بعد دقائق إلى الجمهور. أما شردي فلفت إلى أنّ انفعاله لم يكن سبباً في القطع، بل إنّ ما حدث هو نزول التتر بأغنية متفق عليها من دون أن يودّع الجمهور.
فيما بات من المنتظر أن يلتزم الإعلام الهدوء تجاه الأحداث الجسام إذا تكرّرت بعد ما جرى في اليومين الماضيين والبيانات التي صدرت، تعالت أصوات تؤكّد أن المطلوب هو التزام الإعلام المهنية لا الصمت أو الحشد في اتجاه واحد كما كان يحدث قبل هزيمة 1967.