لم تستجب لجنة المال والموزانة لطلب الوزير السابق شربل نحاس الوقوف دقيقة صمت عن روح المادة ٨٣ من الدستور. مر اسبوع بالتمام والكمال على خرق هذه المادة، التي تقضي بتقديم الحكومة الموازنة في اول ثلاثاء يلي الخامس عشر من تشرين الاول من كل عام، لكن النواب الذين يستعدون لخرق الدستور عبر التمديد لانفسهم، لن يغصوا بخرق المادة ٨٣ التي تعد مؤشراً اضافياً الى ان لجنة المال الموازنة باتت يتيمة الاب (المال) والام (الموازنة) منذ ما يزيد على تسعة اعوام.
حسم اجتماع لجنة المال والموازنة، امس، نقطة مهمة تتعلق بقيمة مستحقات البلديات من ايرادات الهاتف الخلوي، اذ اقرت وزارتا المال والاتصالات بانها تفوق ١٩٢٠ مليار ليرة، وهي باتت جميعها بعهدة وزارة المال. اما النقطة الثانية التي حسمها الاجتماع، فتتعلق بتعهد وزارة الاتصالات اجراء تدقيق محاسبي للفترة السابقة بالاستناد الى تقارير اجرتها KPMG في الفترة التي تلت النزاع، الذي وقع مع الشركات المشغلة للهاتف الخلوي، والذي انتهى الى تحكيم دولي، دفعت الدولة اللبنانية بموجبه مبالغ طائلة لفضها العقود الموقعة مع هذه الشركات.
يؤكد الوزير نحاس لـ «الاخبار» ان تقرير KPMG يفند عائدات البلديات من الهاتف الخلوي على نحو دقيق، وان المطلوب العودة اليه لتبيان الارقام الدقيقة.
التسوية تقضي بإعطاء
سلفة صغيرة للبلديات من الصندوق البلدي المستقل

لكن النقطة التي لم يحسمها الاجتماع، وهي الاهم، فتتعلق بآلية التوزيع، وما اذا كانت البلديات ستحصل على هذه الاموال كاملة، ام ستُقتطع المبالغ المدينة لمصلحة الصندوق البلدي المستقل، التي تصل قيمتها الى ما يزيد على ٢٤٠٠ مليار ليرة، وفيما تتنوع وتختلف مشاريع المراسيم السابقة في الاقتراحات التي تضمنتها حول آلية التوزيع، لم يحسم بعد النسبة المئوية للتوزيع على اساس قيد السكان في سجلات النفوس، وتلك التي ستوزع على اساس السكن الفعلي. ولمح الوزير بطرس حرب الى ان التسوية التي يتوقع ان يجري التوافق عليها خلال جلسة مجلس الوزراء تقضي باعطاء سلفة الى البلديات من الصندوق البلدي المستقل، على حساب هذه الاموال وتحديداً من المبلغ الذي جرى تحويله الى وزارة المال مؤخراً والبالغ حوالى ٦٩٠ مليار ليرة، بذريعة حاجة البلديات الملحة للاموال لتنفيذ مشاريع تنموية. اما المقاصة النهائية التي ستحسم مصير المبلغ الاجمالي، فليس متوقعاً ان يجري التوصل الى تسوية في شأنها في المرحلة الحالية.
يتزامن النقاش حول مصير اموال البلديات في وقت تضغط فيه الحكومة من اجل اقرار خطة جديدة لادارة النفايات المنزلية الصلبة. الخطة، التي لم تتضح ملامحها النهائية بعد، تحتاج الى اموال طائلة لتنفيذها، وقد طرح سابقاً ان يموَّل جزء من هذه الخطة من عائدات الصندوق البلدي المستقل. وبين ديون متراكمة لمصلحة الشركات المتعهدة واعتمادات جديدة لانشاء معامل معالجة ومطامر جديدة، يُتوقع ان يؤجل بت مصير عائدات البلديات الى ما بعد اقرار هذه الخطة، ولتبيان المبلغ الذي سيُقتطع من الصندوق البلدي المستقل (كما جرت العائدة) لتمويل ادارة النفايات.
بعد الجلسة أعلن رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان ان النتيجة النهائية الحقيقية انه حتى اليوم لم يصل الى البلديات من أموال الخلوي ولو فلسا واحدا». اضاف «أما النتيجة التي تهم الجميع، فهي متى سيفرج عن هذه الأموال، ومتى ستتحول الى البلديات، هنالك طبعا مقاربات عديدة، ولكن أستطيع القول وبكل راحة ضمير إن المبلغ المستحق للبلديات منذ عام 1995 حتى اليوم (...) يصل الى حدود 1920 مليار ليرة لبنانية (...) وقد أفادت وزارة الإتصالات وبشخص وزيرها بطرس حرب بأن الوزارة بصدد إعادة تدقيق وتكوين لكل هذه الفترة الماضية». وقال «أما الموضوع المتعلق بالمرسوم الذي يفترض أن يصدر، والذي يحدد آلية التوزيع (...) فإننا اليوم عرفنا من الوزارات المعنية ان هذا هو ثالث مشروع مرسوم بصدد إعداده». واضاف «إذا، لا يجوز الإستمرار في هذه المماطلة، ولذلك طلبنا وتمنينا على الوزير حرب أن ينقل الى الحكومة إصرار وطلب وتمني لجنة المال والموازنة مجتمعة بأن يُقر هذا المشروع والمتعلق بآلية التنفيذ. وتابع «اما في مسألة التنفيذ، فهناك اليوم مبلغ 673 مليار ليرة لبنانية، تحول الى وزارة المالية للبلديات، هذا جيد، ولكن ليس هو المبلغ الكامل العائد للبلديات، التي تنتظرها منذ عام 1994 حتى اليوم، ولكن هذا المبلغ نطلب توزيعه وفقا لآلية واضحة».
بدوره، اعلن الوزير حرب ان وزارة الاتصالات بصدد وضع تقرير شامل يتضمن كل الحسابات منذ عام 1994 حتى اليوم، وبالتالي سترفع بعد حوالى عشرين يوما تقريرا مفصلا الى لجنة المال والموازنة، والى وزارة المال لتبيان الحصص العائدة للبلديات، بحيث تكرس هذه العائدات كحقوق للبلديات لتوزيعها على نحو عادل، ووفقا لأصول محددة ومن خلال مشروع مرسوم سيعرض على مجلس الوزراء يحدد كيفية وآلية توزيع هذه العائدات، وبالتالي يقفل هذا الملف».
واوضح الوزير السابق نحاس ان جلسة لجنة المال والموازنة حسمت الادعاءات بأن الحسابات غير موجودة وغير دقيقة. والمسألة الثانية انه وخلال ستة عشر عاما منذ عام 1994 حتى 2010 جرت مخالفة الانتظام العام بالتصرف بالأموال العامة، من خلال تحويل الأموال التي تعود قانونا الى البلديات لإظهارها كأنها إيرادات خزينة، وهذا يدل مرة ثانية على كم هو مهم أن تكون هناك حسابات للتصرف بالمال العام». أما النقطة الثالثة التي يجري تظهيرها، فهي ان هناك خلافا قانونيا فقهيا ولاهوتيا وما الى ذلك، حول من يحق له أن يدفع أو من لا يحق له ... الخ، بعدما أقر الجميع بأن هذه العائدات حق للبلديات، لا مجرد بحث نظري وفلسفي».