يبتعد رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني السابق خلدون الشريف قليلاً عن تفاصيل الحدث الطرابلسي ليقف في لبّ الموضوع: ثمة تيه في مجتمعنا. ضياع «ضارب أطنابه». كيف تكون ضد (الرئيس السوري) بشار الأسد للموت ولا تطيق حزب الله، وضد المجموعات المسلحة التي توجعهما بضرباتها في الوقت نفسه؟ أنت ضد الاثنين طبعاً. لكنك ضد أحدهما أكثر من الآخر. يجب أن تكون ضد التكفيريين أكثر، بوصفهم خطراً داخلياً أقرب في تهديده لثقافتك وقيمك وكل حضارتك من الأخطار الأخرى. إلا أن وسائل الإعلام التي تتابعها، والسياسيين الذين تتابعهم، والخطب التي تسمعها، وخيبة الأمل جراء هزيمة المعتدلين السياسية وتبعثر الموجة الحريرية، كلها تغيّر الأولويات، فضلاً عن أن عناصر تلك المجموعات يبالغون ــ على عكس غيرهم ــ في استرضائك وإبراز ما يصفونه بالدفاع عن مصالحك.
لا يتبنى الشريف شيئاً ممّا سبق. يحاول فقط أن يستوعب ما يحيط به. يعرف أقرباء المقاتلين الطرابلسيين واحداً واحداً؛ يعرف أهلهم وأقرباءهم وأصدقاءهم. يعلم أن شادي المولوي لم يكن يملك ليرة في جيبه حين أوقفه الأمن العام في «مؤسسة الصفدي» التي ذهب إليها لسد حاجته الماسة إلى 500 دولار لعلاج ابنته، ويعلم أن هؤلاء الشباب ما كانوا ليتحوّلوا الى ما هم عليه اليوم لولا تضافر مجموعة عوامل. هم لم يولدوا هكذا، وجلّهم تلقى تعليمه الابتدائي في إرساليات مسيحية، ولعلّهم، قبل عامين فقط، كانوا يحلمون بالتطوع في الجيش. «أكرّر القول، مجموعة عوامل سبق تعداد بعضها، وليس عاملاً واحداً كما يوحي البعض».
بعيداً عن صيدلية هذا الطرابلسي، تسمع أخباراً كثيرة عن مبادرات عملية لنزع الذرائع ومعالجة بعض العوامل: أعيد الحريريون إلى السلطة، بعد وضع الحقائب المعنية بملف الموقوفين الإسلاميين والجيش والتنصت والقوى الأمنية في تصرّفهم. أوقف حزب الله الاحتفالات بأيامه السورية المجيدة مفضّلاً العض على جراح المختبئين في عبرا سابقاً وطرابلس وعرسال لنزع الذرائع. ورغم الانعكاسات السلبية الكبيرة لعدم الحسم، ما فتئ يبدي تفهمه لمخاوف قيادة الجيش من ردّ الفعل الشعبي في حال طارد سلاح الجيش الثقيل المسلحين من سوق إلى آخر فوق أنقاض البنايات. أما في الجهة الأخرى، فلا تزال أوضاع تيار المستقبل على حالها: ركود تنظيمي في مواجهة حالة الاستقطاب الواسعة التي تعيشها تلك المجموعات. إفلاس مالي مقابل سيولة مالية كبيرة تتمتع بها تلك المجموعات. وإصرار غريب عجيب على تحميل حزب الله كل المسؤولية، من دون اعتراف ولو بجزء يسير من المسؤولية وإجراء نقد ذاتي.
يبتعد رئيس لجنة
الحوار اللبناني الفلسطيني السابق قليلاً عن الحدث الطرابلسي




لا علاقة بين نموّ المجموعات التكفيرية وتفشّي المدارس الدينية الوهابية في طول البلاد وعرضها أو تحريض المستقبل السياسي والمذهبي أو انكفائه تنظيمياً لأسباب مالية أو تحكّم «الرأي العام» في قيادات المستقبل بدل أن يقود الوزير أشرف ريفي وزملاؤه «الرأي العام». لا شيء من هذا كله. تقول كتلة المستقبل النيابية أول من أمس إن «كل حالات التطرف التي شهدتها ساحتنا هي ردود فعل على تصرفات حزب الله ومكابرته وغروره». «تصرفات» حزب الله تموّل هذه المجموعات. «مكابرته» تدفع شباناً في ربيع حياتهم الى تفجير أنفسهم أو تضييع حياتهم بين المتاريس. و«غروره» يسلّحهم ويدرّبهم. بهذا المعنى، ينتمي النائب خالد ضاهر إلى كتلة الوفاء للمقاومة النيابية، ويكون حزب الله هو من نصّب خالد حبلص على منبر أكبر مساجد طرابلس قبل أسابيع!
يستحيل فعلياً فهم الجهة التي يتوجه خطاب قوى 14 آذار اليوم إليها. تفهم محاولتهم إقناع جمهورهم بأن «داعش» صنيعة النظام السوري، كما أن تفجيرات الضاحية افتعلها حزب الله. لكن جمهور حزب الله لن يتأثر بالخطاب المستقبلي، فيما جمهورهم يعيش في مناطق نفوذ المجموعات المسلحة ويعرف جيداً أن «ردود الفعل على تصرفات حزب الله» ما كانت لتبلغ ما هي عليه اليوم لولا رعاية الحريريين ودعمهم المطلق.
قبل بضعة أسابيع، ضاق صدر إحدى السيدات من تحميل رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة كل ما تشهده منطقتها لحزب الله، بوصف التشدد السنّي مجرد ردّ فعل على التشدد الشيعي، فواجهته قائلة: كنتم تقولون إن ثمة مارداً شمولياً لا يقبل أية تعددية يقيم هناك، فإذا بكم تخلقون هنا مارداً أكثر شمولية وتشدداً في رفض التعددية. حاول السنيورة تغيير الحديث، إلا أنها قاطعته، محذرة: يمكن أن تضحك على بعض الناس فيقتنعون بخطابك، لكن المشكلة تكمن في اقتناعك شخصياً بأنك غير مسؤول.