لا يمكن الذهاب باتجاه رؤية جديدة للحركة النقابية من دون مراجعة دقيقة لكل التجارب السابقة، وعلى رأسها الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين، هذا ما طرحه أحد المشاركين على الحزب الشيوعي اللبناني في حلقته النقاشية، ضمن احتفالات الذكرى التسعين لتأسيس الحزب. برأيه، يتعذر بناء إطار جديد من دون بت قضية الوحدة والتعددية، مشيراً إلى أن قوتنا «هي في بناء تنظيمات نقابية جدية ممثلة لكل القطاعات، علماً بأن بعض النقابيين لا يوافقونني الرأي في هذا الطرح، بحجة تكرار تجربة إنشاء نقابات طائفية».
يقول: «لا يتوقع أحدنا أن تعطينا السلطة مطالبنا «ببلاش». هو صراع اجتماعي طبقي واضح، وبالتالي فإنّ مسؤوليتنا تكمن في التفكير ببناء جسم نقابي يحد من تدخل السلطة، وهذا الأمر لا يزال عالقاً عند الإخوان الشيوعيين».
فهل سيدخل الحزب الشيوعي فعلاً على خط مواجهة التحديات المطروحة لبناء حركة نقابية ديموقراطية مستقلة؟ هذا على الأقل ما يعد به النقابي حنا غريب، باعتبار أن «بين الحزب والحركة النقابية تاريخا واحدا».

ومن التحديات التي يطرحها غريب غياب القدرة على فصل القرار النقابي عن القرار الحزبي والسلطوي، وهو أحد العوامل التي حالت دون نجاح تحرك هيئة التنسيق النقابية. ومع ذلك، يرى أنّ الهيئة كرّست خياراً نقابياً ديموقراطياً بالممارسة والسلوك والموقف والأثمان، وإن كشف الاختبار الميداني للعمل النقابي «عجزنا عن تكوين جيل نقابي جديد بسبب هيمنة الوعي المذهبي والطائفي»، متخوفاً مما ستخبئه السنوات المقبلة من تراجعات نتيجة تقاعد الجيل النقابي السابق. لا بديل، بحسب غريب، عن تحويل الروابط إلى نقابات، وهيئة التنسيق إلى اتحاد نقابي له هيكلية ويبحث عن تنسيب فئات أخرى من الجسم العمالي.
مسؤولية الحركة النقابية التفكير
ببناء اطار يحد من
تدخل السلطة

يحصر غريب أزمة العمل النقابي في القطاع الخاص بقيادة الاتحاد العمالي العام، الا ان السكرتير الإقليمي في الاتحاد الدولي للخدمات العامة غسان صليبي ردّ إنّ الأزمة ليست في القيادة، إنما في بنية الاتحاد وتركيبته السياسية والمذهبية. هذا الواقع كشف، بحسب صليبي، أنّه لا يمكن تعديل موازين القوى داخل الاتحاد، الذي سقط نهائياً عندما طرح تصحيحاً للأجور تحت سقف الوزير. وهنا يراهن على هيئة التنسيق النقابية لتلملم التجارب النقابية الجدية الأخرى، لكونها اكتسبت صدقية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، برغم الانتقاد المشروع للتجربة. استطاعت الهيئة، كما يقول صليبي، أن تكسر سطوة الأحزاب في جمعياتها العمومية عندما رفضت التراجع عن قرارها النقابي، كاشفة أنّ كل القوى السياسية متشابهة. لذا فهو يفترض توسيع هيئة التنسيق لتضم قطاعات تعبّر عن ذاتها حتى انشاء هيكل نقابي على أساس قطاعي، باعتماد النسبية وتمثيل القاعدة العمالية. ويطالب بأن تأخذ الهيكلية الجديدة في الاعتبار البعد الوطني للمطالب عبر وضع عقد اجتماعي وطني تفرض فيه الحركة النقابية بعض الاتفاقات على السلطة التي تحاورها.
لا يجد مدير المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين أحمد ديراني أن الهيئة بتركيبتها الحالية التي لا تختلف عن تركيبة الاتحاد العمالي العام قادرة على القيام بهذه المهمة لسبب بسيط أن الناس لا يسبقون النقابات، وهناك مشكلة بنيوية في الوعي النقابي لا في التنظيمات النقابية فحسب. يشكك ديراني في أن تكون الروابط قادرة على التغيير، بدليل أن رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية صمتت طويلاً بمجرد أخذ مطلبها في سلسلة الرواتب، فهل قواعد هيئة التنسيق جاهزة للحركة النقابية البديلة؟
أديب أبو حبيب، رئيس المركز اللبناني للتدريب النقابي، دعا إلى عدم تحميل هيئة التنسيق هم تأسيس الحركة النقابية، إذ إن السلطة السياسية ستبحث عن ألف طريقة لضربها، مقترحاً الاستعانة بوثيقة المؤتمر النقابي الوطني في دورته السابعة، التي تتضمن برنامجاً متكاملاً للقضايا الاقتصادية والاجتماعية والوطنية.
سأل رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة محمود حيدر: «هل يستوي عمل نقابي يدار يريموت كونترول من القيادات السياسية من دون استقلالية؟ كيف سيقبل هذا النظام حركة نقابية شبه ديموقراطية خارج سياقه العام؟ ألا يتطلب ذلك تغييراً في البنية النقابية للأحزاب السياسية؟ وخصوصاً أنّ النظام «أرسى حياة حزبية سياسية قائمة على مبدأ الزبائنية، أي إن كل المواطنين والنقابات زبائن». لم يتردد حيدر في القول إنّ الإشكالية التي عاشتها هيئة التنسيق هي أن الحزبيين في الهيئة كانوا «إجر في السياسة وإجر في النقابة، ما تسبب بإرباك وتردد في اتخاذ المواقف في أكثر من محطة من محطات التحرك».
بالنسبة إلى مسؤول الدراسات في رابطة التعليم الأساسي الرسمي عدنان برجي، فشلت هيئة التنسيق في تحقيق إنجاز نقابي، وأدخلت الإحباط إلى عدد غير قليل من قواعدها، وبالتالي، فإن قيام أي حركة نقابية يتطلب مكاشفة صريحة واشباع الخطوات التحضيرية الدراسة الكافية، سائلاً: «كيف يمكن الانتقال من الرابطة إلى النقابة من دون أن تتشظى النقابة ونخسر تجربة الروابط وخصوصياتها؟».
أما رئيس نقابة المعلمين نعمه محفوض، فيؤكد أننا «سنحيي الحركة النقابية سواء أكان هناك أفق سياسي أم لم يكن، وسنذهب إلى وزارة العمل لنأخذ رخصة بذلك، ولا مانع من أن تراعي النقابات المنضوية في الحركة خصوصيات القطاعات التي تمثلها».