الرباط | نفذت النقابات العمالية المغربية تهديدها للحكومة، وخاضت إضراباً عاماً إنذارياً، أول من أمس، شمل أنحاء البلاد كافة، وشاركت فيه معظم المركزيات النقابية الكبرى، بما فيها بعض النقابات المحسوبة على الإسلاميين، وذلك احتجاجاً على السياسات الاجتماعية التي تعتمدها الحكومة، بعد فشل الوساطات التي قادتها أطراف داخلها لثني المضربين عن قرارهم.
مرّ الإضراب الذي تباينت أرقام الطرفين بخصوص نسبة الاستجابة إليه، في أجواء طبيعية، ولم تتخلله أي حوادث أو مواجهات، على عكس الإضرابين الأخيرين اللذين عرفهما المغرب في سنوات الثمانينيات والتسعينيات. ورأت النقابات أن الإضراب العام الذي جمع أقصى اليمين بأقصى اليسار، قد حقق أهدافه، بعدما قاربت نسبة المشاركة فيه 84% أي ضعف ما قالت مصادر حكومية، مشيرةً إلى أن الكرة الآن هي في ملعب الحكومة، التي عليها أن تلتقط إشارات هذا الإضراب، في وقتٍ أعلنت فيه الحكومة أنها ستنفّذ القانون بصرامة وذلك بالاقتطاع من رواتب المضربين.
وقالت القيادية في الاتحاد المغربي للشغل آمال العماري إن إضراب يوم الأربعاء الماضي، «يعد محطة تاريخية في مسار الحركة العمالية في المغرب»، مؤكدةً أنه جاء احتجاجاً على الحكومة في تعاملها مع الحوار الاجتماعي. وتابعت العماري في تصريحات متلفزة بالقول، «الهدف لم يكن شلّ الحركة في البلاد وتعطيل المرافق العمومية، كنا نريد إرسال رسالة إلى الحكومة بأن عليها مراعاة البعد الاجتماعي وقد فعلنا، ونشكر الذين تجاوبوا مع الإضراب، برغم تسجيل بعض الاستفزازات الإدارية التي حاولت تعطيله»، مضيفةً: «لدينا قناعة بأن الحكومة لا تؤمن بالحوار الاجتماعي المسؤول والبنّاء، وإذا واصلت احتقارها وتجاهلها للحركات الاحتجاجية فسنصل إلى طريق مسدود». ودعت العماري إلى التوقف عن التصرف كتلميذ نجيب للمؤسسات المالية الدولية التي يعرف الجميع نتيجة توصياتها في العالم، وإلى فتح حوار مستعجل وجدّي».
وإذا كانت النقابات قد سجّلت نقطة في ملعب الحكومة رغم الاتهامات التي وجهتها إليها الأخيرة، فإن حكومة عبد الإله بنكيران تبدو عازمةً على عدم مراجعة قراراتها، تحديداً في ما يخص مشروع إصلاح قانون التقاعد الأكثر إثارة للجدل، حيث يعتزم المشروع الجديد رفع سن التقاعد إلى 65 سنة عوضاً من 60. وفي هذا الإطار، قال المتحدث الرسمي باسمها مصطفى الخلفي إن الإصلاح لا مفر منه رغم أن صيغته النهائية لم تحسم بعد في انتظار رأي «المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي» (مؤسسة استشارية تبدي المشورة للحكومة والبرلمان في التوجهات العامة للاقتصاد)، في دفاعٍ عن القرارات الحكومية في المجال الاقتصادي والاجتماعي.
ويتوقع مراقبون أن يكون الإضراب العام مجرد جولة في إطار لعبة شدّ الحبل بين الحكومة والنقابات، وخصوصاً أن اثنتين من أبرز النقابات الداعية إلى الإضراب مسنودتان من حزبي «الاستقلال» و«الاتحاد الاشتراكي»، أشرس المعارضين لحزب «العدالة والتنمية» الإسلامي. وهو ما يفسر تصريحات وتلميحات عدد من المسؤولين الحكوميين إلى أن الإضراب سياسي لا اجتماعي، وأن بعض النقابات الأخرى التي شاركت في الإضراب «خضعت للضغط السياسي». كذلك، لمح الخلفي خلال لقاء تلفزيوني إلى أن الحكومة تميز بين النقابات التي تسعى إلى الحوار وتلك التي تمارس الابتزاز.
ويُنتظر أن يكون رأي «المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي»، حاسماً في رسم ملامح المرحلة المقبلة وفي تحديد العلاقة بين الحكومة والفاعلين الاجتماعيين، ونزع فتيل الاحتقان. وذلك إذا تضمن توصيات بإجراء تعديلات جوهرية على القانون تأخذ بعين الاعتبار مطالب النقابات، وعلى رأسها جعل رفع سن التقاعد اختيارياً.
وإلى جانب الجدل المثار حول قانون التقاعد، تتهم النقابات حكومة بنكيران بتجميد الحوار الاجتماعي منذ أشهر طويلة، وهو ما تنفيه الحكومة وتحمل النقابات مسؤوليته، إضافة إلى ذلك، تنتقد النقابات عدم الأخذ برأيها ومطالبها في ما يخص مشروع قانون المالية للسنة الجديدة، فضلاً عن القرارات السابقة للحكومة بالزيادة في أسعار الماء و الكهرباء وعدد من المواد الأساسية والتخلي التدريجي عن صندوق المقاصة (صندوق الدعم الاجتماعي). كل ذلك يشير إلى سنة اجتماعية ساخنة بانتظار الحكومة التي تقترب من إكمال سنتها الثالثة، ما قد يجعلها تعود إلى طاولة الحوار بحثاً عن حلول توافقية.