أجّلت معركة طرابلس الاخيرة بين الجيش اللبناني والارهابيين إقامة «اللقاء الجامع»، الذي كان من المفترض عقده يوم السبت الماضي، في فندق «كواليتي إن» في عاصمة الشمال. كان يفترض أن يجمع اللقاء قادة المدينة وفعالياتها الروحية لإعلان «الثوابت الطرابلسية الوطنية»، لكن اندلاع الاشتباكات الجمعة الماضي بين الجيش اللبناني والمجموعات المتطرفة، أجبر المنظمين على تأجيل عقده. وحتى الآن لم تقرر اللجنة التحضيرية موعده النهائي الجديد.
ماذا كان سيغيّر هذا اللقاء من الواقع المأسوي الذي تعيشه المدينة؟ «لا شيء» يجزم أحد فاعليات طرابلس. كل ما سيجري هو مجرد «كلام في الهواء، طالما ان المدينة لا تشهد حركة انمائية». فخلال السنوات القليلة الماضية غدت هذه اللقاءات وسيلة السياسيين الأفضل لتخدير الطرابلسيين وإقناع الرأي العام بأن هناك من يقدم إليهم شيئاً. تارة يجتمع بعض المدينة لإضاءة شجرة الميلاد وطوراً يطلقون ماراتونا عابراً للأحياء، أو يوماً للدراجات. ترفع هذه اللقاءات معنويات المقيمين قليلاً لكنها لا تغير شيئاً فعلياً في الواقع المحبط. لا تكاد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تنهي تباهيها برصد مبلغ 50 مليار ليرة لانماء منطقة باب التبانة، من دون أن يرى براد البيسار منها ليرة واحدة،
الهدف من اللقاء التأكيد على أن المدينة تحتضن الجيش


بعدما حولته الحرب إلى منخل، حتى تخصص الحكومة 100 مليون دولار لإنماء المدينة. أين تذهب الأموال، أو ماذا يمنع تنفيذ مشاريع حيوية في المدينة؟ لا أحد يسأل. لا تكاد تدفع هيئة الإغاثة للمتضررين من الأعمال القتالية بعض التعويضات حتى يلوذوا بالفرار إلى شقق بعيدة بدل ترميم دمار الحرب. وهكذا تتراكم بشاعة حروب الثمانينات فوق حروب السنوات القليلة الماضية، حتى يبدو مستحيلاً جرف هذا الردم كله. لا يمكن اللقاءات تعويض المحال الثمانية القديمة التي تهدمت في السوق العريض في المواجهة الأخيرة، ولا دكان «ابن المظلوم» في السرايا القديمة. ها هي التجاذبات بين القوى السياسية الحاضرة في لقاءات الأمس والغد، تحول دون تأليف الهيئة الادارية للمنطقة الحرة.
يقول جورج دروبي عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر ان «إقرار هذه الهيئة سيساهم في انعاش اقتصاد منطقة الشمال كلها، لا طرابلس فقط». ولدى سؤاله عن السبب الفعلي لعدم اطلاق هذه المشاريع أجاب «عنجد ما بعرف».
سيعيد المجتمعون في لقائهم المقبل تكرار الاسطوانة نفسها، التي لطالما رددوها بعد كل جولة عنف في المدينة. اذ سيطالبون بـ «تنفيذ المشاريع المقررة لطرابلس، اقامة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالمدينة، تفعيل مرفأ طرابلس، تفعيل المعرض، واعادة تأهيل البنى التحتية لمنطقة باب التبانة، و... تفعيل خط سكة الحديد بين طرابلس وحمص».
المطالب محقة طبعاً، وعقد اللقاء سهل، فلا أحد يشك في قدرة فعاليات المدينة السياسية والروحية على الاجتماع في قاعة واحدة. التحدي الرئيسي يكمن في تنفيذ المطالب، وبالتالي في حل المشاكل. هذا يبدو بعيداً، يجب الاكتفاء اليوم بحسب دروبي بـ «التأكيد أن طرابلس تحتضن الجيش اللبناني».