باغانيني أشهر من أن يُعَرَّف، ونترك للراغبين في الاطلاع على قصة حياته مشاهدة الفيلم المذكور، برغم ”الحسابات السينمائية الهوليوودية“ التي قد تكون أضاءت على تفاهة هنا وأهملت تفصيلاً مهماً هناك، بما يعزّز الزحمة على شبّاك التذاكر، طبعاً. لم نشاهد الفيلم بعد، وهذا مجرّد تحفّظ مبني على ”ارتكابات“ سابقة.

على أي حال، ما يهمّنا من الموضوع هو أن الحلقة اليوم تتناول عملاً محورياً في ترْكَة باغانيني الموسيقية، وأساسياً في تاريخ الموسيقى الذي تلى حقبة عازف الكمان الإيطالي الأسطوري.

ما بلغه باغانيني في تقنيات العزف على آلة الكمان، الصعبة أصلاً، لم يتخطّه أحدٌ حتى اليوم. إعجازٌ وتقنيات ”جهنمية“ منحته اللقب (الجذّاب) الذي أعطى الفيلم عنوانه. كتب الرجل أعمالاً للغيتار والكمان، للكمان والأوركسترا (ستة كونشرتوهات) وغيرها من الأعمال، يبقى أهمّها الـ”24 كابريسا“ للكمان المنفرِد، التي يتوّجها الكابريس الأخير، الرقم 24. عازفو الكمان يعرفون مدى صعوبة هذا العمل، نحن نستشعر هذه الصعوبة، لكننا نعرف مدى جماله بعيداً عن التقنيات. بعد رحيل باغانيني تناول العديد من المؤلفين هذا العمل باعتباره نواة صلبة، يمكن الانطلاق منها لبناء أعمال أخرى: فرانز لِيسْت نقلها للبيانو، رخمانينوف بنى عليها عملاً شهيراً للبيانو والأوركسترا، وكذلك فعل قبله برامز مستثنياً الأوركسترا… إلخ.

من تأثيرات الـ”كابريس الرقم 24“ في القرن العشرين اخترنا عملاً للبولوني فيتولد لوتسلافسكي (والأصح: لوتوسووفسكي… ونعني الفارق بين الكتابة اللاتينية واللفظ البولوني). فخلال الحرب العالمية الثانية كان المؤلف الشهير يعمل عازف بيانو في الحانات برفقة عازف آخر (لتعذّر أي نشاط فنّي آخر في ظلّ الاحتلال النازي). أنجز وحده، أو بمساعدة رفيقه إعداد نحو 200 مقطوعة لآلتي بيانو، لم يبقَ منها إلاّ العمل الذي نسمعه اليوم (الباقي تعرّض للتلف خلال الحرب). العمل إذاً مبني على مقطوعة للكمان المنفرد، حوّله المؤلف البولوني لآلتي بيانو، والنسخة التي نقترحها اليوم هي عبارة عن إعداد للإعداد، إذ تحوي هذه النسخة إقاعات أدخلتها لاحقاً، ببراعة لافتة، مؤلفة موسيقية مغمورة تدعى Marta Ptsazynska.

ما من تسجيلات كثيرة لهذا العمل بنسخته التي تضم آلتي بيانو وإيقاعات. هذا واحدٌ يعود إلى 1995 (عزف حيّ)، والأهم أنه كان أول تسجيل له!