لا يمكن القول إن من اجتمعوا في مجلس النواب أمس ليمددوا فشلهم قد قاموا بما قاموا به غصباً عن إرادة الشعب اللبناني. الأكثرية صامتة، وهم يتحدثون باسمها. لا تتحرك إلا وفقاً لمشيئتهم. الغالبية العظمى من اللبنانيين معهم. تنتخبهم. لا تحاسبهم، ترضى بهم زعماء يتوارثون الولاء، ويجددون لأنفسهم في كل انتخابات، ويمدّدون ولاية مجلسهم حين يشاؤون. الأغلبية مؤيدة للتمديد، أو على الأقل، هي ليست ضده. وفي أبعد تقدير، غير مبالية.
أمام جمهور كهذا، يصبح بمقدور فريق كالقوات اللبنانية الانقلاب بين عشية وضحاها على المواقف السابقة الرافضة للتمديد. سمير جعجع، سمع قبل أسبوعين في الرياض من سعود الفيصل كلاماً واضحاً عن وجوب عدم إيقاع البلد في الفراغ. قال الفيصل، ومسؤولون سعوديون آخرون، لجعجع، وللنائب سامي الجميّل، ما معناه: «كنا نظن أن حزب الله وقوى 8 آذار يريدون الفراغ، فإذا بكم تهددون البلد بالوقوع فيه». يعرف جعجع السعوديين جيداً، فهم مصدر لا ينضب من الدعم، بكافة أشكاله. على المستوى السياسي، السعوديون نظّفوا له سجّله العدلي، بعدما أدين بقتل رئيس حكومة، أي بعدما قتل (بحسب القضاء اللبناني) شاغلَ المنصب الذي يدخل تحت الوصاية المذهبية السعودية المباشرة.

كذلك تصل إلى مسامع جعجع كلمات المسؤولين السعوديين عنه، كلما زارهم مرشّح لرئاسة الجمهورية، وردوه خائباً بعدما أكدوا له أن مرشحهم الوحيد هو سمير جعجع. أمام هذا «العطاء» السعودي، لا يمكن رئيس حزب القوات أن يرد أمراً أو تمنياً ملكياً. هذا ما يؤكده بعض عارفيه، وبعض المستقبليين المقربين من الرئيس سعد الحريري.
تصالَح جعجع مع السعودية والحريري في موقفه من التمديد. لكنه خرب، أو كاد يخرب، علاقته بالنائب سامي الجميّل، الذي دُعي مع رئيس حزب القوات إلى الرياض، وسمع من المسؤولين السعوديين «التمنيات» نفسها. ولما عاد إلى بيروت، لمس رفضاً قاطعاً للتمديد من قيادة حزبه، ومن جعجع نفسه. اتخذ حزب الكتائب قراره، وفي باله أن القوات معه، قبل أن يفاجأ آل الجميّل بـ»الابن الضال» يغدر بهم من جديد.
على المقلب الآخر، تلقى النائب ميشال عون هدية «شعبية» من جعجع. بقي على موقفه الرافض للتمديد، ولتزوير الوكالة الممنوحة للنواب من الناخبين. لكن مقاطعة جلسة مجلس النواب أمس أضافت سبباً جديداً لتأزم العلاقة بينه وبين الرئيس نبيه بري. أوساط الأخير تؤكد أن الجنرال سبق أن قال لبري عندما زاره في عين التينة الأسبوع الماضي، إنه سيحضر على رأس تكتله إلى مجلس النواب، ولكنه سيصوّت ضد التمديد، لكن من دون أن يطعن به أمام المجلس الدستوري. لاحقاً، أكّد عون لبري أنه سيقاطع الجلسة، وأن وزراءه لن يوقعوا على قرار نشر القانون في الجريدة الرسمية، وأنه سيطعن في القانون أمام المجلس الدستوري.
هل أطاح موقف
عون من التمديد بالمصالحة بين خليل وباسيل؟
مصادر عون تنفي أن يكون قد وعد بري بالحضور وعدم الطعن، وتؤكد نية عدم التوقيع ثم التوجه إلى «الدستوري» الذي سيعطله بري والنائب وليد جنبلاط وتيار المستقبل مجدداً، تماماً كما جرى قبل 17 شهراً، لمنعه من إسقاط قانون التمديد الأول للمجلس الحالي.
فهل يمكن القول إن المصالحة التي رعاها حزب الله بين الوزيرين علي حسن خليل وجبران باسيل خلال الأسابيع الأربعة الماضية قد ذهبت أدراج الرياح؟ تصعب الإجابة عن هذا السؤال. فما علمته «الأخبار» عن هذه المصالحة يشير إلى أكثر من لقاء جمعت الوزيرين بترتيب من «أصدقاء مشتركين» من الحزب. وهذه اللقاءات أدّت إلى فتح باب «الحوار الجدي» في شتى المواضيع الخلافية بين الطرفين. وبحسب مصادر مطلعة على ما دار في اللقاءات، فإن خليل وباسيل عزلا الاختلاف في وجهتي نظرهما حول التمديد للمجلس النيابي عن هذه القضايا. لكن هذا العزل قد لا يكون كافياً لطيّ صفحة التمديد بينهما، وخاصة أن خطوات عون الاعتراضية لم تنته بعد.
تبقى ملاحظة على هامش التمديد: خلال الأيام العشرة التي أحيا فيها المسلمون الشيعة ذكرى عاشوراء، كان يُقام يومياً أكثر من 400 مجالس عزاء عام في مختلف المناطق اللبنانية. وهذه المجالس كانت أهدافاً «شبه معلنة» للجماعات التكفيرية التي لا تخفي نيتها لضرب لبنان، وتحديداً حزب الله وبيئته. ورغم ذلك، تمكن حزب الله وحركة أمل والأجهزة الأمنية والقوى الأهلية من إمرار هذه المناسبة، «من دون ضربة كف»، طوال 10 أيام، بمجالسها المعروفة الزمان والمكان. استناداً إلى هذه التجربة، على القوى السياسية المؤيدة للتمديد أن تسحب من التداول ذريعة الوضع الأمني الهش التي استخدمتها لعدم إجراء الانتخابات النيابية في يوم واحد.