مداخلة عضو مجلس الشعب السوري يوسف أسعد خلال نقاش البيان الوزاري غير معتادة تحت قبّة المبنى العريق. تداولها كثيرون على السوشال ميديا باعتبارها حدثاً جريئاً. أيّ سوريّ يعلم أنّ «برلمانه» ليس أكثر من ديكور وديوان مراسلات ومكان لتصفية الحساب مع المنشقّين. الفنّان أيمن زيدان وصف تجربته السابقة في المجلس بوضوح. «معركة بلا أسلحة» قالها لأمجد طعمة في «إكسترا تلاقي» على شاشة «تلاقي» الرسميّة أخيراً. مفيد الوحش طرح سؤالاً: «ماذا فعل مجلس الشعب في سوريا؟». إذاً، يوسف أسعد ليس بطلاً خارقاً. قام بجزء من واجبه، وإن لم يأتِ بجديد. تحدّث عن الفساد المقرف والترهّل وسرقة الدعم الحكومي. حذّر من الإهمال المرعب لعائلات الشهداء والجرحى. سخر من التسويف والوعود التي تبقى كلاماً على ورق وكتب رسميّة. 156 منطقة عشوائية ماطلت الدولة في الالتفات إليها، إلى أن دفعت ثمناً باهظاً. أسعد لمّح إلى «شركاء» مستفيدين من كلّ ذلك خلف الستارة. نوّه إلى أخطر ما في الأمر. تشكّل رأي عام مضاد للدولة حتى بين مؤيّديها، وتراكم «السخط في الشارع».

وجوه زملاء الرجل مثيرة للضحك. لا يبدو أنّهم يعيشون «الآن وهنا». بعضهم راح يرمق أسعد باستغراب وحرج وربّما باستنكار، فيما شرد آخرون في الملكوت. وكالة الأنباء الرسمية «سانا» كانت حاضرة ومتفرّدة كالعادة. سطّحت مداخلة أسعد بأنّه أكّد «ضرورة تلازم القول بالفعل، والعمل لوضع حد لإتجار بعض أصحاب محطات الوقود بالمحروقات». المهم أنّها مرّت على كلامه وانتهى الأمر.
«تسديد الخانات» إحدى الألعاب الحكوميّة المفضّلة. كل شيء مثالي ومكتمل على الورق. الواقع على الأرض بحث آخر. فلينتحر من لا يعجبه ذلك. مهلاً، لقد قرأنا عن الانتحار بضعة مرّات في الفترة الأخيرة. «انتحار موظف في «مصرف سورية المركزي» بعد أن ألقى بنفسه من الطابق الثالث». يُقال إنّ غلاء الأسعار هو السبب. الخبر يحيل على انتحار نازح سوري في بعلبك برصاصة في الرأس. بعدها جاء نبأ «انتحار فتاة من سكان مشروع دمر في دمشق شنقاً على شرفة منزلها». الحيّ الغني يبعد العامل المادي لصالح النفسي. السؤال الجحيمي يكتمل مع خبر انتحار نجلاء الوزة في جنوب أفريقيا. الفنانة الشابة (22 عاماً) صعدت «سلم إلى دمشق» (2013) مع محمد ملص لتقفز عنه إلى الموت. لدينا تشكيلة واسعة «قرّب جرّب». لن يسأل يوسف أسعد وزملائه عن المنتحرين، فهم ليسوا مذكورين في البيان الوزاري. الفساد يقتل في بلد اللا مساءلة واللا حساب.
«المدينة العارية» عنوان فيلم عتيق يقفز إلى الذهن. دمشق ليست نيويورك 1948 التي رصدها جولز داسن، ولكن البلد كله بات «عارياً» بالتأكيد. السوري عارٍ في الحرب. مضطرّ إلى الاستمتاع بالـ «ستربتيز» كرامةً تلو الأخرى قبل أن يتدلّى من حبل في أرض الديار.