فجأة، تسرّب قناة «سي إن إن» الأميركية، أن الرئيس باراك أوباما، طلب من مستشاريه «مراجعة سياسة الإدارة بشأن سوريا، بعدما توصّل إلى أنه ربما لن يكون ممكنا انزال الهزيمة بـ»داعش» من دون إزاحة الرئيس بشار الأسد».
لم يجر الإعلان عن هذا التحوّل ــ المشفوع بـ»ربما»، والمطلوب دراسته من قبل الخبراء ــ ولكنه، على الأرجح، رسالة أولى إلى الروس الساعين إلى تنظيم حوار سوري ــ سوري في موسكو، ما يعني الانتقال من المظلة الدولية إلى مظلة روسية لعملية حل الأزمة السورية؛ إذا نجح المضي في هذا الاتجاه، فسوف تنتقل واشنطن، بدورها، إلى المربع الأول، أي الدعوة إلى تنحي الأسد. وهو ملف خرج من التداول، ولم يعد يحظى بأيّ مضمون منذ نجاح دمشق في تنظيم انتخابات رئاسية ذات صدقية، وظهور كتلة اجتماعية ــ سياسية وازنة تؤيد ولاية جديدة للرئيس السوري.
عند هذه النقطة، تنكشف موازين القوى الدولية حول سوريا؛ فالتحالف الدولي الساعي بقيادة الولايات المتحدة للتدخل في هذا البلد، تحت يافطة الحرب على «داعش»، لم يؤدّ، حتى الآن، إلى تغيير سياسي جدي في المعادلة الداخلية أو الإقليمية؛ هذا الفشل المبكر هو ما كان ينتظره الروس للخروج من مرحلة الصمت إلى التحرك الدبلوماسي لتجميع عناصر جديدة لخط الحل الروسي للأزمة من أوساط سورية معارضة لطالما كانت ميولها أميركية.
الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض، معاذ الخطيب هو مجرد نموذج للتحول السياسي الحاصل؛ كتب يوضح أجواء زيارته إلى موسكو، أكّد أنه رفض، سابقا؛ الدعوات الروسية؛ فما الذي حدث ودفعه، الآن، إلى لقاء إيجابي مع سيرغي لافروف؟ اعترف الخطيب بأن اتكاء المعارضة السورية على الولايات المتحدة، هو مجرد وهم، ثم اعترف، أيضا، بأن قسما من السوريين يدعم الرئيس الأسد. ولعله من الواضح أن هذين الاعترافين بالدور الروسي وبمكانة الأسد، يمثلان الإطار الممكن لحوار الخروج من الأزمة السورية المزمنة.
أوصلت دمشق، بقبولها الضمني للتدخل الأميركي ضد «داعش» في سوريا، البيت الأبيض إلى مأزق سياسي؛ فنشاط «التحالف» العسكري والسياسي والإعلامي، سرعان ما بدأ يصبّ في مصلحة الدولة السورية. أولا، قيدت السياسة السورية حركة «التحالف» بحدود ادعاءاته بمحاربة الإرهاب؛ بذلك أصبح جهده العسكري إضافة ـ ليس لها بعد سياسي ـ إلى الجهد العسكري السوري؛ ثانيا، لجم « التحالف»، ولو جزئيا، العدوانية المنفلتة للسعودية وقطر نحو سوريا، وفجّر الخلافات بين واشنطن وحليفتها تركيا التي أفلتت منها خيوط اللعبة. فالأداة التركية الأهم، أي « داعش» محل استهداف دولي واقليمي، بينما استطاع أكراد سوريا فرض إرادتهم في «عين العرب»، ما حوّل ملف القضية الكردية إلى ملف دولي؛ ثالثا، اندفاع الرئيس أوباما، المهتم بتحقيق إنجاز ضد «داعش»، نحو الاستعانة بإيران. إنها ضربة سياسية لتركيا، وعرض ودي، عبر حليف أساسي، موجه إلى الدولة السورية؛ رابعا، ساهم «التحالف» في دعم السردية الرسمية السورية التي طالما أكدت أولوية مشكلة الإرهاب في الأزمة. وهي، على كل حال، أولوية فرضت نفسها؛ خامسا، سمح المأزق الأميركي لروسيا، مرة أخرى، بالتحرك الفعّال، سواء لجهة تسليح الجيش السوري أو لجهة النشاط السياسي واستقطاب قوى جديدة لعقد الحوار السوري ــ السوري في موسكو.
كل هذه المعطيات ضغطت على البيت الأبيض، فلوّح، مرة أخرى، بطرح ملف تنحي الرئيس الأسد؛ معنى ذلك تهديد دمشق وموسكو بالعودة إلى المقاربة السعودية القطرية التركية، القائمة على أولوية إسقاط الدولة السورية، وإعادة بثّ الأوهام لدى الأوساط المعارضة. غير أن التورّط في هذا المنزلق، أصبح، الآن، مع قيام «التحالف»، ووجوده العسكري في المنطقة، بالغ الخطورة، إذ إنه يعني الحرب! لكن العقبات التي منعت الولايات المتحدة من شن الحرب على سوريا منذ 2011، لا تزال قائمة، بل تجذرت. (1) فروسيا الناهضة (التي طورت حلفها الاقتصادي والسياسي مع الصين) تمثّل عائقا دوليا على المستوى السياسي، وداعما جاهزا للتصعيد على مستوى التسليح والدعم؛ (2) والحرب على سوريا سوف تقود إلى خطر الحرب مع إيران وحزب الله، وامكانية شمول اسرائيل وتركيا، وفي النهاية، فإن خطر الحرب الإقليمية ــ الدولية الشاملة، سيكون جاثما؛ (3) وهكذا، سوف يجر الرئيس الأميركي، المنتَخب على أساس تجنّب الحروب، إلى أكثرها مأساوية، بينما لا يزال الاقتصاد والمجتمع في الولايات المتحدة، يعانيان آثار الحرب الفاشلة على العراق.
تردد الإدارة الأميركية واضطرابها السياسي إزاء سوريا، وميلها إلى الخطط الجزئية، ليست جميعها ناجمة عن ضعف الرئيس، بل عن ضعف الولايات المتحدة.