قد يكون على الجميع الاستعداد لاحتمال أن يصير اقتراح النائب علي بزي، المقدم قبل أكثر من عام إلى اللجنة العشرية، هو القانون الجديد الذي ستجرى على اساسه الانتخابات النيابية المقبلة. فالاقتراح خلفه نبيه بري. والرجل جدي وعازم على إمرار مشروعه. ثم إن شبكة تحالفاته وتفاهماته قد تكون كافية لتحقيق ذلك. فضلاً عن أن الفريق الحريري قد يجد نفسه، بين الحاجة والاضطرار، ذاهباً إلى القبول باقتراح سيد المجلس. فمحدلة التمديد للولاية البرلمانية لا تزال شغالة.
فضلاً عن أن ماكينة فؤاد السنيورة قد تخفف النكسة ذاتياً بالتفكير أن امامنا 30 شهراً قبل أن نصل إلى استحقاق نيابي جدي. فلنقر القانون الآن، ولنراع «أبو مصطفى»، وبعدها يخلق الله ما لا نعلم، المهم أن ننجو من ميشال عون رئاسياً و»أرثوذكسياً»!
كل المؤشرات والموازين، تشير إذاً إلى أن ما قدمه بزي، هو القانون المقبل. مع احتمال إدخال بعض التعديلات الطفيفة عليه، صعوداً أو نزولاً. وهو ما يقتضي البحث في حيثيات الاقتراح. ماذا يقول؟ وإلى ماذا يفضي؟
في العنوان الرئيسي، إنه اقتراح صيغة لقانون مختلط، مناصفة بين 64 مقعداً نيابياً منتخباً على أساس الاقتراع الأكثري، ومثلها وفق الاقتراع النسبي. علماً أن مقاعد «الأكثري» موزعة على دوائر الأقضية المعروفة في قانون الدوحة كما هي، 26 دائرة. اما مقاعد «النسبي» فموزعة على ست محافظات: اربع منها كما هي معروفة: بيروت، الجنوب، البقاع والشمال، إضافة إلى محافظتين مستحدثتين خصيصاً لهذا القانون، هما جبل لبنان الجنوبي (بعبدا، عاليه، الشوف) وجبل لبنان الشمالي (المتن الشمالي، كسروان وبعبدا). لكن كيف توزع المقاعد في كل دائرة – قضاء، بين الأكثري والنسبي؟ وضع اقتراح بزي أو - بري – عدة قواعد لهذا التوزيع، وهي كالتالي:
1- يكون نصف المقاعد المخصصة لكل محافظة من نصيب النظام النسبي. مع التدوير إلى الأدنى في حال كان عدد المقاعد المخصصة لهذه المحافظة مفرداً. مثلاً الجنوب والبقاع، مقاعد كل منهما 23. النصف مدوراً إلى الأدنى يؤدي إلى جعل 11 مقعداً من كل منهما وفق النسبي. بيروت شذّت عن هذه القاعدة، واعتمدت 10 مقاعد من مقاعدها الـ 19 وفق النسبي، وذلك لاعتبار آخر متعلق بالقاعدة الخامسة التالية.
يحاول الاقتراح «إنقاذ» أقصى ما يمكن إنقاذه من المقاعد الأقلوية في بيئات أكثرية





2- يكون نصف المقاعد المخصصة لمذهب معيّن في الأقضية أو الدوائر المحددة في قانون الدوحة، من نصيب النظام النسبي. مع التدوير إلى الأدنى في حال كان عدد المقاعد دون الخمسة، وإلاّ فيتمّ تدوير المقاعد المخصصة للنظام النسبي إلى الأعلى. مثلاً بعبدا فيها 3 مقاعد مارونية. نصفها نسبي، لكن مدوراً للأدنى كونها أقل من 5. ما يعني انتخاب نائب ماروني واحد بالنسبي واثنين بالأكثري. بينما كسروان، حيث خمسة مقاعد مارونية، يدوّر نصف النسبي للأعلى، فتكون حصته 3 مقاعد، وحصة الأكثري مقعدين.
3- في حال وجود مقعدين مخصصين لمذهب معيّن في المحافظة، ولكن في قضاءين مختلفين، يكون أحدهما من حصة الدائرة الخاضعة للنظام النسبي حيث معدل المقعد في الوحدة الإنتخابية هو الأضعف. مثلاً في محافظة الجنوب، هناك مقعدان كاثوليكيان، واحد في جزين والآخر في الزهراني. فيحتسب مقعد جزين الكاثوليكي ضمن حصة الأكثري، ويحتسب مقعد الزهراني الكاثوليكي ضمن حصة النسبي. وذلك إنقاذاً للأخير، على خلفية أن تأثير غير الكاثوليك، أو حتى غير المسلمين، على هذا المقعد هو أكبر من تأثير العاملين نفسيهما على مقعد جزين.
4- بعد تطبيق المعايير الثلاثة السابقة، وفي حال عدم الوصول إلى مناصفة بين 64 مقعداً اكثرياً ومثلها وفق النسبية، ينظم جدول خاص لإستكمال الحصة النسبية، من المقاعد ذات المعدل الأضعف بين الوحدات الإنتخابية. أي من المقاعد التي يملك ناخبو مذهبها أضعف تأثير على انتخابها ضمن دوائرهم. وهو ما يساعدهم على اكتساب تأثير أكبر في إيصال نائب يمثلهم عن هذا المقعد عبر النظام النسبي في دائرة أكبر هي المحافظة. وعلى هذا الأساس أخذ المقعد الماروني في عكار إلى حصة النسبي، كذلك المقعد الأرثوذكسي في مرجعيون – حاصبيا، وكاثوليكي وماروني بعلبك الهرمل، وماروني وأرثوذكسي طرابلس، كما ثلاثة مقاعد مسيحية أخرى من بيروت، هي الأرمن الكاثوليك والإنجيلي والأقليات. فضلاً عن المقعدين الدرزيين في كل من بيروت والجنوب.
في الشكل، اعتمد اقتراح بري هذه القواعد الحسابية من أجل استكمال الحساب مناصفة بين المقاعد الأكثرية والنسبية. لكنه في المضمون حاول «إنقاذ» أقصى ما يمكن إنقاذه من المقاعد الأقلوية الساقطة في بيئات أكثرية. كما حاول مراعاة تلك النزعة المكتومة والمتناقضة بين المسيحيين الذين يفضلون الاقتراع النسبي، وبين بعض المسلمين الذين يتمسكون بالأكثري. وهو ما أدى إلى «تباين ميثاقي» في التوزيع. فوق الاقتراح نفسه، يتم انتخاب 34 مقعداً مسيحياً وفق النسبي الذي يفضله المسيحيون، مقابل 30 مقعداً مسلماً بالاقتراع نفسه الذي لا يرتاح إليه بعض المسلمين. وبالعكس، ينتخب 30 مقعداً مسيحياً فقط وفق الأكثري الذي يهرب منه المسيحيون، مقابل 34 مقعداً مسلماً بالأكثري الذي يتمسك به بعض المسلمين. هكذا ينتخب المسيحيون أكثرية نوابهم بالنسبي الذي رفعوا شعاره. وينتخب المسلمون اكثرية نوابهم بالأكثري الذي حاول بعضهم الإبقاء عليه. ( أنظر جدول التوزيع). كما راعى الاقتراح كل هواجس المجموعة الدرزية. فأنقذ مقعديها في العاصمة والجنوب، فضلاً عن ضمان مقاعدها الأربعة في عاليه والشوف ضمن محافظة جبل لبنان الجنوبي. ولم يترك لها مقعداً «ساقطاً» بأصوات الآخرين إلا في البقاع الغربي – راشيا. مع تساو دقيق كامل بين السنة والشيعة، حيث ينتخب كل منهما 15 مقعداً أكثرياً و12 نسبياً.
يبقى السؤال عن حصة المسيحيين. كم مقعد نيابي مسيحي ينتخب بأصوات المسيحيين أو بتأثيرهم الحاسم وفق هذا الاقتراح؟ نظرياً، يمكن القول إن المقاعد المسيحية النسبية محصنة كلها باقتراع المسيحيين نسبياً. أي تحصيل 34 مقعداً مسيحياً بداية. يضاف إليها 19 مقعداً يزكيها الصوت المسيحي في الدوائر الأكثرية بشكل شبه محسوم. وذلك في بيروت الأولى، زغرتا، الكورة، بشري، البترون، جبيل، كسروان، المتن وجزين. ما يعني 53 مقعداً. علماً أن الباقي من المقاعد الأحد عشر المسيحية ليس «هالكاً». فهناك مقاعد ذات تأثير متواز مع جماعات أخرى، مثل بيروت الثانية وبعبدا والشوف والبقاع الغربي وزحلة، حيث 9 مقاعد مسيحية أكثرية، قابلة لتأثير متواز. ليبقى مقعدان مسيحيان أكثريان شبه مستحيلين، هما لمارونيين في كل من عكار وعاليه.
طبعاً هذا الحساب النظري لا يأخذ في الاعتبار عاملي الانقسامات المسيحية المسيحية انتخابياً، كما التحالفات الانتخابية العابرة للطوائف والجماعات. وهو ما يسيطر على المشهد السياسي اللبناني راهناً. علماً أن تأثيرات هذين العاملين، الانقسام المسيحي مقابل الانقسام السني – الشيعي – الدرزي، تساعد أكثر على تزكية صحة ذلك الحساب وتعطيه احتمالاً أكبر للتطابق بين الحقل والبيدر. في النهاية، المسألة جدية. ولذلك فهي تقتضي أكثر من تدقيق وتأن قبل أي موقف.