عندما يتحدّث وزير الصحة العامة وائل أبوفاعور عن حالة طوارئ صحية، يتبادر إلى ذهن معظم المواطنين أن وزارة الصحة تحوّلت إلى خلية نحل، مستنفرة لمواجهة الكارثة الغذائية التي «نبشها» أبوفاعور. أقلق أبوفاعور، بملفاته، السلام والهدوء والطمأنينة التي كان يتحلّى بها الكثير من الموظفين داخل وزارة الصحة، أو هكذا كان من المفترض أن يكون الوضع. إلا أن الواقع مغاير، الجميع مستمر في «سلامه»، ما عدا مديرية الوقاية الصحية في الطبقة السابعة ومكتب الوزير في الطبقة الثامنة اللذين كانا مستنفرين أمس.
وعندما نقول مديرية الوقاية الصحية، نتحدّث هنا عن شخصٍ واحدٍ هو مدير الوقاية الصحية الدكتور جورج سعد الذي يتحمّل أعباء ملفات الأغذية الفاسدة برمّتها.
الجولة في الوزارة هذه الأيام «مثيرة»: أصحاب المؤسسات يتهافتون سعياً لإصلاح أوضاعهم او الاستفسار عنها، أما الموظفون فأغلبيتهم لا علاقة لهم بموضوع الأغذية الفاسدة ولا يعلمون أي تفاصيل إضافية على ما يُسمع على الإعلام، كأن هذه الملفات محصورة في طبقتين: السابعة والثامنة. لكن، وعلى الرغم من ذلك، معظمهم أصبحوا «متخصصين» في السلامة الغذائية، ولا يعزّز هذه «الموهبة» الجديدة لديهم سوى أسئلة أصحاب المؤسسات عن المعايير والمختبرات والتقارير، والغريب هو أنّ الجميع يجيب! يتحدثون عن طرق نقل العينات، ودرجة حرارة البرادات التي يجب أن تكون بين الدرجتين والخمس درجات، والبعض يشرح عن البكتيريا الموجودة في المياه بثقة عالية يزيدها تفاعل المتضررين مع الخبرية وموافقتهم عليها. في الوقت الحالي، أن تكون موظفاً في وزارة الصحة يعني أنك خبير ملف الأغذية الفاسدة!
الخسائر باتت كبيرة
وهم بحاجة ماسّة إلى «تلميع» صورتهم من جديد

يشكو أصحاب المؤسسات للموظفين عن مفتشة صحية نقلت العينة من دون وضعها في براد، وآخر يتحدث عن مفتّش أخذ العينة في علبة «حلاوة»... والموظفون يتفاعلون «قدّم شكوى، في كتير عم يقولوا هيك»! كل هذه الأحاديث تجري قبل أن يستدلّ أصحاب المؤسسات على المكتب المعني بتصحيح أوضاعهم. يتوجهون بشكلٍ تلقائي إلى الطبقة الثامنة، أي مكتب الوزير، فيتم تحويلهم إلى الطبقة السابعة حيث تقع مديرية الوقاية الصحية.
الطبقة هنا «لم تهدأ منذ الصباح»، يقول أحد الموظفين. فعلياً هناك زاروب واحد في الطبقة «لم يهدأ»، هو الزاروب المؤدي إلى مكتب مدير الوقاية الصحية الذي ينتهي بغرفة صغيرة ينتظر فيها أصحاب المؤسسات إلى حين وصول دورهم. لا يعلم هؤلاء ماذا يجب أن يفعلوا ولا يوجد أحد خارج المكتب يوضح لهم الإجراءات. يتساءلون «ما هي الأوراق التي يجب أن نحضرها؟ ما هي المخالفة التي ارتكبناها»، أحدهم أتى لأنه سمع اسمه على التلفاز ولا يعرف أكثر من ذلك. رجل أربعيني يجلس منتظراً دوره. يسأله الجميع عن مخالفته، يردّ بأنه غير مخالف، لكن منذ شهر أتى موظفون من وزارة الصحة وأخذوا عينات دجاج من مؤسسته، لذلك حضر ليتأكد من النتيجة قبل أن يرد اسمه على التلفار تجنباً «للفضيحة»، كما يقول. هناك من أتى ليراجع بشأن شركات المياه التي عدّدها الوزير، لكنّ «العينات لم تصل بعد» وفق ما أجاب أحد الموظفين، «رجاع الاثنين».
يأتي دور صاحب محال للحلويات، ورد اسمه خلال حلقة «كلام الناس» على لسان أبوفاعور، يدخل إلى مكتب سعد حيث تتكدّس الأوراق والملفات. ملفه لم يجهز بعد، فالموظفة المكلّفة مساعدة الدكتور سعد لم تحضر، وكأن الوضع في الوزارة طبيعي ولا شيء استثنائياً يحدث! لم تُفرز بعد جميع التقارير، وبالتالي على المؤسسات الواردة أسماؤها هذا الأسبوع أن تنتظر حتى الاثنين لمراجعة الوزارة. في مكتب سعد، يتمّ إطلاع المؤسسة على ورقة الفحوصات والبكتيريا التي وجدت لديها وما يجب أن تقوم به لتصحح وضعها. وعندما تتخذ المؤسسة الإجراءات اللازمة، تتقدّم من الوزارة بطلب لإعادة الكشف. مؤسسات كثيرة طلبت إعادة الكشف، وهذا ما يظهر من الطلبات الموجودة على المكتب. السؤال المشترك الذي يطرحه أصحاب المؤسسات على سعد هو «هل ستعلنون أنّه تمّ تصحيح وضعنا على الإعلام؟»، فالخسائر التي تكبّدها هؤلاء، كما يقولون، كبيرة، وهم بحاجة ماسّة إلى «تلميع» صورتهم من جديد وعلى لسان وزير الصحة.