الجزائر | غادر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجزائر، أمس، تاركاً وراءه اتفاقيات توريد الغاز المسال وأحاديث كثيرة عن استثمارات تركية وصفقات اقتصادية، حيث ركّز الإعلام على الجانب الاقتصادي فقط في الزيارة.
وبرغم أهمية هذا الجانب بالنسبة إلى البلدين في ظلّ الظروف الدولية الراهنة، وخصوصاً مع تراجع أسعار النفط والأزمة المالية التي تضرب اقتصاد الاتحاد الأوروبي وتركيا، فإن الملفات السياسية الإقليمية الساخنة، لم تغب عن طاولة البحث بين الدولتين. مصادر مطلعة على مجريات لقاء أردوغان بنظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، كشفت لـ «الأخبار» أن أردوغان عبّر للجزائريين عن «انشغاله العميق» بخسارة بلاده للأسواق المصرية والسعودية والعراقية والإماراتية والسورية والإيرانية أيضاً، ما كبّد تركيا خسائر قدّرتها أطراف بأكثر من 30 مليار دولار عام 2013 فقط. وتابعت المصادر أن الجزائر أبدت رغبة في التوسّط لدى الدول المعنية لتجاوز الخلافات و«إعادة الدفء» إلى العلاقات، وخصوصاً في ظلّ المصالحة الأخيرة بين دول الخليج وقطر. غير أن التدخّل كان مرفقاً ببعض الإشارات الجزائرية المنقولة عن الدول السابقة، كالطلب من تركيا اتخاذ موقف رافض للقوى الإسلامية، وتحديداً عبر الكفّ عن دعم الجماعات المتطرّفة، ووقف التساهل مع ما يسمى «الإسلام السياسي». وأشارت المصادر إلى أن «أنقرة عبّرت عن استعدادها لرفع يدها عن الإسلاميين»، مشيرة إلى أن الصفقات والتسهيلات الجزائرية الممنوحة خلال الزيارة تندرج في إطار التعبير عن «حسن نوايا» الجزائر في التوسّط لدى الدول السابقة للتجاوب مع الرغبة الأردوغانية، مضيفاً أن الحديث الذي رافق الزيارة عن أنها ترمي إلى الوصول إلى الأسواق الأفريقية، «مجرد ابتزاز للعودة إلى أحضان العرب»، على اعتبار أن تركيا ليس باستطاعتها مقاومة التنافس الأميركي والإنكليزي والفرنسي في القارة السمراء. وقالت المصادر إن الملف الليبي أخذ حيزاً وافراً من المحادثات بين الطرفين، حيث أن الأزمة في هذا البلد تتجه إلى اتخاذ مسار إيجابي، بعدما دعا الأتراك الجزائر، إلى الضغط على الأطراف الإسلامية الليبية، لتحديد شخصيات مقبولة لدى جميع الأطراف للمشاركة في جلسات حوار تستعد الجزائر لاحتضانها. على أن ترضى هذه الشخصيات بالجلوس إلى جانب مكونات المجتمع الليبي، من ممثلي القبائل والنظام السابق و«برلمان طبرق»، وحكومة عبدالله الثني وخليفة حفتر، وخصوصاً بعد تغيّر موازين القوى على الأرض، في إطار مخطّط جرى الاتفاق بشأنه في إسطنبول، وذلك للوصول إلى المرحلة الحالية التي تسبق جلسات الحوار، وهو ما أكده رئيس حزب «الوطن» الليبي، وزعيم «الجماعة الليبية المقاتلة» سابقاً، عبد الحكيم بلحاج، حين أشار إلى أنه يجب تغيير موازين القوى بين ميليشيات «فجر ليبيا» وقوات اللواء حفتر، حتى يكون الحوار متكافئاً.
طلبت الجزائر من
تركيا التعاون الاستخباري بشأن المقاتلين في «داعش»

وكانت تركيا قد رعت، أخيراً، اجتماعات سرّية في إسطنبول، حضرها 3 دبلوماسيين، قطري وتركيان، عُقدت في قصر سعيد حليم باشا، الواقع على البوسفور، والمهيّأ للاجتماعات الخاصة ولكبار الشخصيات فقط، حيث أوضحت مصادر على صلة بالموضوع، أن اللقاءات ناقشت سبل مواجهة قوات اللواء حفتر، وإفشال «برلمان طبرق»، بمشاركة محمد صوان، رئيس حزب «العدالة والبناء»، الذراع السياسية، لجماعة «الإخوان المسلمين»، والشقيقين اسماعيل وعلي الصلابي، وبلحاج. وقرر المجتمعون بحسب المصادر، الضغط العسكري على طرابلس من أجل تقوية موقف التيار الإسلامي في مفاوضات وقف إطلاق النار، وبثّ الشكوك داخل البرلمان وخلق تكتلات وتجمعات جهوية من أجل إضعافه.
ومن جهةٍ أخرى، أفادت المصادر بأن الجزائر ألحّت على تركيا، في طلب ترقية التعاون الاستخباري والأمني والعسكري، وخصوصاً في ما يتعلق بالمقاتلين المنضوين تحت لواء تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، الذين يعودون تباعاً إلى بلدانهم في شمال أفريقيا، وخصوصاً إلى ليبيا، حيث تمسّك المسؤولون الجزائريون بضرورة إيقاف تسلّل مقاتلي «داعش» إلى ليبيا، ومراقبة تحركّات «العناصر الإرهابية» على الحدود التركية، وإبلاغ الجزائر مختلف المعطيات والأسماء والهويات الآتية إلى منطقة المغرب العربي. وأشارت المصادر إلى أن الطلب الأخير «جرى قبوله رسمياً من طرف الأتراك»، وذلك «لتجاوز الأسباب التي تتخذها بعض الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدة ذريعةً للتدخل في ليبيا»، وما يتبع الخطوة من تدهور للأوضاع وانزلاقها إلى الفوضى التي ستمسّ الجزائر حتماً، و هو ما عبّر عنه أردوغان خلال لقائه بوتفليقة حين أكد أن تركيا ترفض التدخل الأجنبي في ليبيا.