بثماني طائرات فقط، تحفظ مؤسّسة الطيران السورية للمطارات المدنية في دمشق واللاذقية والقامشلي ضجيجها ومسافريها، تساعدها في ذلك شركة «ماهان» الإيرانية.المؤسسة، التي تُفرض عليها عقوبات أميركية مشددة منذ عام 2003 وأخرى غربية موسعة منذ بداية الأزمة، تجد نفسها في مواجهة أعباء كثيرة تتعلق بالطلب المتزايد على رحلاتها الداخلية والخارجية، وبعمليات الصيانة وإعادة تعمير محركات طائراتها... وغيرها.

إلا أن التحدي الأخطر، الذي ظهر مع تطور الأحداث وهجرة الكثير من الكفاءات، تمثل في إمكانية خسارة المؤسسة لنخبة طياريها، بفعل المغريات والعروض الخارجية التي تقدم لهم. فانخفاض القوة الشرائية لليرة السورية، وضخامة المبالغ المعروضة عليهم من شركات أجنبية، إضافة إلى هواجسهم الأمنية، باتت تشكل عوامل ضغط على الطيارين السوريين.
يتبنى المدير العام لمؤسسة الطيران السورية الدكتور مصعب أرسلان اقتراحاً يقضي بزيادة رواتب الطيارين، وإن كانت لا تزال الأعلى في سلم رواتب العاملين في مؤسسات الدولة. لكن يبدو أن تراجع إيرادات الخزينة ومطالبة جهات عدة بزيادات مشابهة يحول دون تنفيذ الاقتراح حتى الآن. ووفقاً لما يقوله أرسلان فإنه «يعمل حالياً في المؤسسة ما يقرب من 120 طياراً مدنياً، ومن الضروري المحافظة على استمرارية عملهم والاستفادة من خبرتهم، ولذلك فإن منحهم التعويضات المناسبة يحفظ للدولة كوادرها وما أنفقته عليهم في التدريب والتأهيل، ويحفظ لهم حقوقهم. فجميعهم تعلموا الطيران على حسابهم الشخصي، والأمر لم يعد يتعلق فقط بالطيارين فهناك خبرات مهمة في مجال صيانة الطائرات والمعلوماتية وأنظمة الحجز نسعى لتحفيزها والاهتمام بتعويضاتها أيضاً»، مضيفاً: «يتقاضى الطيار المدني راتباً شهرياً يتراوح ما بين 250-300 ألف ليرة بحسب رحلاته، لكن هناك عروض خارجية تصل قيمتها إلى أضعاف ما يحصلون عليه في سوريا».

العمل والأمن

وعلى غير المعتاد في توجهات العمالة السورية، فإن دول الخليج ليست وحدها التي تستقطب الطيارين السوريين. إذ إن بعض هؤلاء يقودون اليوم طائرات تابعة لشركات طيران تعمل على خطوط أردنية ومغربية وأفغانية وباكستانية وغيرها. فمع تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية في البلاد أصبح الطيار المدني، كغيره من السوريين، يدرس كل الخيارات التي تتيح له الجمع بين الاستمرار في عمله والمحافظة على أمنه، إذ إن عملية اغتيال الطيار المدني فراس صافي من قبل مجموعة مسلحة منذ نحو عامين لا تزال حاضرة في أذهان زملائه، رغم تثبيت الجيش السوري وتوسيعه لدائرة الأمان المحيطة بمطار دمشق وطريقه نحو العاصمة.
ووفق ما يؤكده أحد الطيارين السوريين لـ «الأخبار» فإن مشكلة الطيارين الحقيقية هي في عدم وجود تعويض نهاية خدمة لهم، ولا حتى تعويض فقدان شهادة. بمعنى أنه إذا أصيب الطيار بمرض يمنعه من الطيران مثل مرض السكري او القلب او ضغط الدم... الخ فإنه يفقد تعويضاته الحالية، ويعود الى راتب 20-25 ألف ليرة (أقل من 140 دولاراً أميركياً). وفي حال الوفاة لا يوجد أي نوع من أنواع التعويض، إذ يحسب التقاعد على أساس الراتب الضئيل. وقد توفي في الشهرين الماضيين طياران لم تستطع المؤسسة أن تقدم لأهاليهما سوى التعزية والورود وراتب تقاعدي هزيل.
يتقاضى الطيار المدني في الخارج راتباً شهرياً يتراوح ما بين 8 آلاف و12 الف دولار كحد أدنى، وهو ما يشكل عرضاً مغرياً للطيارين السوريين، فضلاً عن تطوير قدراتهم المهنية والفنية. فاليوم طائرات «السورية» لا تستطيع الهبوط في المطارات الأوروبية نتيجة العقوبات المفروضة عليها بعد اندلاع الأزمة، كما أنها لا تصل إلى محطات كثيرة بفعل أسطولها المتواضع. لذلك يجد الطيار السوري في أي عرض خارجي فرصة مغرية.