الفضيحة تهبّ مرتين

اذا؟ هذا ما رست عليه عاصفة الفضيحة الغذائية: من يناصرون وزير الصحة وائل ابو فاعور، حكومة وشعباً، من جهة، معتبرين انه شجاع وشفاف ويقوم بواجبه، لانه قرر ان .. يقوم بعمله! وهم، بالمناسبة، يعترفون ضمنا ان الغالبية الساحقة من الطبقة السياسية لا تفعل ذلك، بدليل "الهجنة" و"الطنّة والرنّة" التي رافقت اعلان وزير الصحة عن الفضيحة الخطيرة التي مؤداها ان وزارته.. لم تقم بعملها منذ زمن طويل، بدليل استشراء الفوضى وانعدام الرقابة في القطاع الذي تشرف عليه، وهناك من يرى على الجانب الآخر، ان الخطيئة الاصلية هي خطيئة الدولة نفسها التي يمثلها ابو فاعور، بسبب السياسات المتعاقبة التي اهملت عن قصد او غير قصد الرقابة المناطة بها علي مختلف القطاعات ومنها القطاع الغذائي .

حسنا اذا. من المسؤول؟ يبدو الجواب اشبه بجواب الحزورة التاريخية: من كان قبل الآخر؟ البيضة ام الدجاجة؟ فوضى المؤسسات الغذائية التي ادت الى فساد منتوجاتها، وهذا مثبت علميا وبتقرير طبي وبالجرم المشهود؟ ام الحكومات الموهوبة في مجال الماركتينغ وتحويل فضائح تقصيرها المزمن الى اعلانات بطولة وشفافية؟

في هذا الصدد، لفتني فيديو انتشر على الفايسبوك لمواطن طرابلسي، يعمل في تصنيع القشطة في مدينة طرابلس. الفيديو يظهر العامل بثياب العمل (واظن ان معمله يقع في الاسواق القديمة حيث كان يتاح لي وانا اتمشى فيها رؤية بعض تلك الورش الغذائية التي يخرج منها اضافة الى القشطة انواع من المعلل او البونبون) وهو يخاطب الوزير ابو فاعور والراي العام بلهجة طغى فيها الاحساس بالقهر على النبرة الغاضبة. قال العامل بما معناه: أتلومنا يا معالي الوزير على تلوث القشطة؟ ولكن قبل ان تلوم: هل اعطيتمونا ماء نظيفاً غيز ملوّث؟ هل اعطيتمونا تيارا كهربائيا لا ينقطع عن بضاعتنا في البرادات حينما يريد وبدون استئذان وبلا رجعة؟هل اعطيتونا مجارير صحية غير مكشوفة وبنية تحتية حقيقية؟ يا وزير: المؤسسات التي حكيت عنها هي افضل المؤسسات ليس فقط في طرابلس. ولكن في كل لبنان، فان وجدتم انها مخالفة فماذا نقول عن المؤسسات الآخرى؟ ولكن اين مسؤوليتكم انتم بان تعطونا مي وكهربا وبيئة نظيفة؟ اين الامن؟ .. الخ..
المشهد الثاني هو مشهد النائب الطرابلسي فيصل كرامي، في لقطة "سلفي" وهو يقضم كعكة كنافة بقشطة من عند الحلاب، الذي يعتبر اسمه صنو طرابلس وعراقة الصناعة الغذائية في لبنان. حسنا.. صحتين يا معالي الوزير لكن انا ايضا طرابلسية ولا يمر ضيف على طرابلس الا وآخذه الى هذا المعلم الغذائي ليتذوق ويتبضع .. ومع ذلك. انظر ماذا حصل معي في الصيف الماضي.
كانت الدنيا رمضان ويوم سبت. قلنا لنذهب الي الاهل لنشاركهم افطارهم. وبالطبع مررنا على فرع حلاب جونية (هنا يجب التنويه بان الحلاب ليس مؤسسة واحدة )، وهو افتتح هناك منذ زمن قصير، بعد حرب اعلانية بينه وبين "حلويات الدويهي" لم تخل من ظرف! المه، اشترينا من عنده شطائر "اللحم بعجين" الشهير بصنعها، وفي المساء وحين اردت تسخين احدى تلك الشطائر بالمقلاة، واذ... يتحرك وسط اللحم شيء تبين انه ...دودة!
بععععق؟ نعم. لكني لم اتصل بوزارة الصحة، ولربما كان علي ان افعل. الا اني ونظرا لصيت الحلاب وما اعرفه عنه من علو كعب في النظافة قلت انبههم. وهكذا فعلت. وقد اصرت يومها مديرة الفرع على ان ادخل مطبخهم. وفعلا دخلت ورايت ما يثبت انطباعي عن عنايتهم بالنظافة. لكن ما كان ثابتا هو انه مهما "سوحتني" المديرة في اروقة مطبخ المؤسسة، فٌان الشطيرة المفاسدة كانت امامي! اي ان الغلطة مثبتة وهي لا شك حصلت من شيء ما. لكن السيدة، وبدلا من ان تعدني بالبحث عن تلك الثغرة في نظامهم التي ادت الي تسرب شطيرة فاسدة الي مستهلك، امضت الوقت وهي تنكر ان يكون هناك خطأ في نظامها! حسنا اذا. بٌامكاننا ان نزيد على اسباب الفلتان الغذائي. العناد والعنفوان اللبناني. فاذا اضفنا الى كل ذلك صور المواطنين السلفي التي انتشرت بعد الفضيحة، وكل، حسب عشيرته ومنطقته وطائفته وعصبياته المتنوعة يلتهم السندويشات من مؤسسات اثبت الوزير انها مخالفة للقوانين.. ماذا يمكن ان نقول بعد؟ يعني كما يقال "يا روح ما بعدك روح".. فكيف حلونا هذه الغريزة المولودة فينا، المجدولة في سلسلة جيناتنا، الى شيء يمكن للتعصب ان ينتصر عليه؟
لذا اظن ان المسؤوليات تتوزع على الجميع وبالقسطاس. نحن، الناس يعني، الذين نفضل الحشد العشائري خلف المذنب بيننا ولو كان يسممنا بطعامه الفاسد، او في حالات اخرى (اخطر؟) يخوننا، المؤسسات، التي يجب عليها ان تعرف ان سلامة الغذاء تتأمن بمراقبة سلسلة متصلة من المصدر الي المستهلك مرورا بظروف النقل ونظافة المياه وتوفير الطاقم اللارم للعمل وليس القائه على كاهل موظفين قلائل، كما تفعل المؤسسات حين تريد ان "تكبر". الخ.. وبالطبع السلطة.
لكن السلطة، كونها من يملك.. السلطة، والمفوضة قانونيا لحماية الناس. والمسؤولة عن تفعيل نظام الرقابة المعطل بفعل فاعل، عبر حكومات متعاقبة، هي المقصرة الاساسية. لا اقصد ابو فاعور بالذات، ولا اقصد حكومة سلام بالذات، بل هذا "الحكم" الذي يقال دوماً في صدد التبجح بحب المؤسسات، انه استمرارية.
فاستمرارية هذه الطبقة السياسية المتوالدة من رحم نظام الانتداب الطائفي هي المشكلة. فهي، كونها المستفيدة الأولى، من يحمي هذا النظام الفاسد ويؤمن "قوى مقاومة" اصلاحه.
هذه الطبقة لا تريد اصلاحا. فكيف تقطع رزقها بيدها؟ لذا، ان لم تتغير هذه الطبقة فلا امل في التغيير.
لذا، فلا يؤاخذنا الوزير ابو فاعور: "الصوتُ عالٍ والفضيحةُ اكبر”. وقسطه من المسؤولية، كمسؤول وعضو في تيار تعاقب على ادارة مختلف الوزارات الفعالة في هذا الملف، كبييييييييير.
لكن لا بد من تحية موهبته في تحويل هذه الفضيحة الى مناسبة للظهور حاكماً صالحاً لم يعيد يطيق نظاماً.. هو فعال في تأمين استمراره.

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 11/24/2014 8:35:13 PM

خلينا نشجع الوزير اللي قام، لأول مرة، بخطوة صحيحة، بدل الانتقاد. أحسن ما تبرد همته ويقول ما في أمل، شو ما عملت طالع غلطان بنظر هالشعب!! لعل وعسى بقية الوزراء يغاروا, ولو من الظهور بمظهر البطل، ويبدأو بالعمل...

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مغتربه مغتربه - 11/23/2014 11:29:28 AM

فجاه وبعصا سحريه تحول الوزير ابو فاعور منقذ الشعب من سموم البلد وفساده. مشكور علي جهده لكن عليه ان يكشف لنا لماذا سكت كل هذه السنين عن مخالفات ليست جديده عليه. سوْال لن نسمع له جوابا الا اذا اتي منافسه وكشف سره اي سر سكوت الوزير. اما عدم اعتراف مديره الموسسه بالخطأ عادي لم يفاجئني. رده فعل بعض الناس طايفيه عشائرية عصبيه بامتياز وفضيحه الفضايح . انسي ما في أمل فالعفن أنهش عقول الكثيرين بل الأكثريه

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم