في ما يشبه مستعمرة للنفايات في البرازيل، اختار ستيفن دالدري موقع تصوير فيلمه الجديد Trash (القمامة). المخرج البريطاني له رصيد مهم من الأفلام التي رشّحته أكثر من مرّة للأوسكار مثل «بيلي أليوت» و«الساعات»، و«القارئ». قد تبدو المقاربة السينمائية للمخرج مختلفة عن غيرها في هذا الشريط الناتج من تعاون بينه وبين كاتب السيناريو ريتشارد كيرتيس. والأخير اشتهر أكثر بعمله في الكوميديا العاطفية مثل «مذكرات بريدجيت جونز»، و«أربعة أعراس و جنازة»، و«الحب الحقيقي».
يروي الفيلم قصة ثلاثة أطفال يعملون في جمع القمامة ويعيشون في مستعمرة النفايات التي بناها العاملون هناك، حيث يصوّر المخرج عالماً منفصلاً تماماً عن الخارج. لهذا العالم جغرافيته الخاصة من جبال القمامة التي شيّد العاملون منازلهم فوقها، إلى أنهار المجارير التي يسكن البعض في أنفاقها.
لكن حتى في هذا العالم، نجد التقسيم الاجتماعي الطبقي نفسه. فسكان أنفاق المجارير يُعتبرون أقل شأناً من غيرهم، فيما يضطهدهم الآخرون، كما في حالة الطفل «راتو» (غابريال وينستاين) الذي يقول إن بقية سكان المستعمرة لا يحبونه لأنّه «طفل المجارير». يعثر أحد الأطفال رفاييل (ريكسون تيفيس) على محفظة. وحين يأتي أحد رجال الشرطة بحثاً عنهاً ويعرض مكافأة مالية ضخمة مقابل تسليمها، يسعى رفاييل وأصدقاؤه «راتو» و«غاردو» لاكتشاف سر هذه المحفظة واهتمام الشرطة البالغ بها.
المفتاح الذي يجدونه داخلها يقودهم إلى اكتشاف رسالة محفوظة داخل خزنة سرية، وإلى سلسلة من المغامرات والمواجهات مع رجال الشرطة، تودي بهم في النهاية إلى فضح فساد السياسي «سانتوس» (ستيبان نرسسيان)، وإلى العثور على مخبأ الأموال التي سرقها صاحب المحفظة من «سانتوس»، وتوزيعها على سكان المستعمرة كقصة روبن هود. ولو أنّ الفيلم يصوّر مواضيع مهمّة كالفقر المدقع في البرازيل، وفساد رجال الشرطة والسياسيين، إلا أنّه يتناول مفهوم العدالة الاجتماعية بطريقة مبسطة إلى حد ما، ما قد يبدو مناسباً لو أن العمل يطرح نفسه كفيلم مغامرات للأطفال. لكنه متنازع في أسلوبه ما بين الواقعي والخيالي إلى حد لا تبدو فيه كل عناصره متماسكة. ففي البداية، يصوّر Trash من خلال مستعمرة النفايات عالماً صادماً وقاسياً بواقعية البؤس الذي يعرضه، يميل فيها إلى التشويق الحركي والبوليسي، ولا نفهم على سبيل المثال كيف لأطفال هذا المكان أن يجيدوا القراءة والكتابة والبحث على الإنترنت بهذه المهارة. والأغرب من ذلك، هو تلك الطفلة التي تظهر فجأة في النهاية بين القبور وتقول إنها تختبئ هناك بمفردها منذ قتل أبيها، قبل أن تنضم إلى الأطفال ليعيشوا لاحقاً إلى جانب البحر. إنّها نهاية سعيدة وسوريالية تماماً!
ويظهر الممثل مارتين شين في دور الأب جوليارد، البطل الأميركي الذي يدافع عن فقراء مستعمرة النفايات، وهي إضافة تبدو كوميدية بسذاجتها الدرامية. لكن ما هو لافت في الفيلم هو تمثيل الأطفال الذين يؤدون أدوارهم بمهارة، مع العلم أنّ الحوارات في بعض الأحيان قد تبدو غير واقعية بطابعها المنمّق الذي قد لا يتوافق مع أعمارهم.
ما هو استثنائي هو جمالية اللغة السينمائية التي يصوّر فيها المخرج مستعمرة النفايات. هذا العالم الغريب والمذهل الذي تجول الكاميرا بين أزقته وأنفاقه. هذه الجمالية التي تُفقد حين يخرج الفيلم منها إلى العالم الخارجي، فيتخذ منحى أقل ابتكاراً في السرد الروائي والسينمائي.