«رجاءً عدم اللمس» (Please (Don’t) Touch) هو عنوان معرض نادين أبو زكي الذي يحتضنه فضاء «المحطة» (جسر الواطي ــ بيروت)، بالتعاون مع «غاليري أجيال». يبني المعرض النحتي التفاعلي لكل منحوتة أبعاداً مختلفة، ويعيد المشاهد إلى لحظة الخلق الأولى. في المعرض/ العرض، توزّعت منحوتات خشبية وحجرية في فضاء station، على تماس مع شريط فيديو وأداء جسدي/ نسيجي داخل قاعات ست، تخضع لتصميم في الصوت والإضاءة.
عنصران يجعلان المشاهد جزءاً من لحظة وجود حميمة مع كل منحوتة. ورغم أن عنوان العرض يدعو المشاهد إلى عدم لمس المنحوتات، إلا أن نادين سعت إلى بناء علاقة تفاعلية مع المشاهد تتخطى حالة اللمس المباشرة. عبر وسائط متعددة، أشركت المشاهد في بناء منحوتته الخاصة كما أضافت بعداً مختلفاً لكل منحوتاتها. وقد عاونتها في ذلك، موريال أبو الروس التي عملت على فيديو يحمل عنوان العرض نفسه، وزيد حمدان الذي تصدى لتصميم صوتي ــ لمسي (touch sound design)، فيما عمل علاء ميناوي على الإضاءة، حيث بنى ظلمات وبقع ضوء تمتّن حميمية اللمس.
يقسم الفضاء في هذا العرض إلى قاعتين كبيرتين (واحدة منهما مقسمة إلى خمس مساحات)، وباحة صغيرة هي مدخل «المحطة»، تصل القاعتين ببعضهما. هو فضاء خاضع لإضاءة خافتة ولتمترس ستارات سوداء ترسم حدود كل قاعة. في القاعة الأولى، تقبع منحوتة خشبية واحدة في فضاء واسع يقابلها، على الحائط شريط موريال أبو الروس الذي يعرض بشكل متواصل. يمهّد هذا الفيديو لما ينتظر المشاهد داخل هاتين القاعتين: يبدأ الفيديو بصور سريعة جداً، بالكاد تلتقطها العين، لجسم غريب قابع في فضاء الـ Station. يخف إيقاع الفيديو لنرى يداً تلمس أجزاء من منحوتات مختلفة كما لو أنها تتلمس تعرجات جسد. تتسارع بقع الضوء لينتهي العرض بصورتين متداخلتين تجمعان يداً تلمس منحوتة وأخرى تلمس عيني نادين المغمضتين. تفتح نادين عينيها، ويرتسم خطان متعرجان تحت مقلتيها يعرّجان على منحوتة بيضاء ويتوحدان مع رمشي نادين، كما لو أن النحت عندها بات وعداً ولحظة مبتغاة، وأصبح البصيرة والبصر. تلك الصورة الأخيرة تلخص مسيرة نادين مع النحت: النحت يشكل دائرة ترتسم حول العين وتؤرخ لسنوات من الشغف.
فضاء بإضاءة خافتة وستارات سوداء ترسم حدود كل قاعة
في تلك اللحظة، تبدأ احتفالية اللمس لدى المشاهد. يتحوّل المحسوس إلى عنصر أساسي يطغى على العنصر البصري في المنحوتات التي تضعها نادين في يدي المشاهد. عملت نادين على تفعيل حواس اللمس أولاً والسمع ثانياً والبصر ثالثاً. على عكس القاعة الأولى، تنقسم القاعة الثانية إلى خمس غرف صغيرة تحدّها ستارات سوداء ومضيفات يتأكدن من دخول مشاهدين كحد أقصى إلى كل غرفة. في كل غرفة، منحوتة واحدة. في أقصى القاعة، تقبع المنحوتة الحية. هي ليزا شحادة تختبئ تحت نسيج مطاطي بني (تصميم بشارة عطاالله). تؤدي ليزا دور المنحوتة، وتتفاعل مع المشاهد حيث يقوم كل واحد برسم منحوتته الخاصة عبر تحريك أطراف الممثلة المختبئة تحت النسيج. فعل كاف لتحويل النحت من عنصر جامد إلى مادة متحركة ولينة. تعيدنا نادين عبر اللمس إلى لحظات تشكيل المنحوتة؛ لحظات الشك وإعادة النظر والبناء، إنها لحظات المتعة واللعب أيضاً، والحزن، والتردد والانكفاء. هناك لحظات كثيرة انكفأت فيها ليزا عن التفاعل مع المشاهد، فبناء الشكل النهائي للمنحوتة يحتاج أحياناً إلى بعض المسافة.
في كل لحظة يدخل فيها المشاهد إلى غرفة من الغرف الخمس، يجد نفسه مع منحوتة ما. كل واحدة تدعوه إلى اختبار دلالتها ولحظة بنائها عبر الصوت. هنا، لن يكون المشاهد مجرد مستمع لتصميم صوتي. سوف يشارك في بناء تلك الأصوات عبر آلات موسيقية وضعت أمام كل منحوتة، لكل واحدة آلتها أو العنصر الصوتي الخاص بها. هكذا، يصبح اللمس هامشياً لصالح تشارك لحظة سابقة مرتبطة بذاكرة النحاتة نادين، ولحظة أخرى افتراضية يبنيها كل مشاهد على هواه حول تداعيات هذا التفاعل الصوتي – النحتي. منهم من سيكتفي بهذا الطابع المرح الذي يدمج اللعب وينسى أمر المنحوتة. ومنهم من سيبحث عن رابط ما ربما يجده أو لا يجده بين الفيديو والمنحوتات ومجموعة الأصوات مجتمعةً. في هذا العرض النحتي التفاعلي، تدعونا نادين كمشاهدين إلى بناء المعنى. لا شك في أن هذا النوع من التفاعل يقدم بعداً مختلفاً لفن النحت ويزيل عنه الجمود. تجربة المنحوتة الحية تذكرنا بالتجربة الفنية الأولى لجيلبير وجورج عام ١٩٧٣، حيث قام الفنانان البريطانيان بتحويل نفسيهما الى منحوتتين تغنيان على مدى ثماني ساعات متواصلة (المنحوتة التي تغني)، سعياً منهما للبحث عن احتمالات جديدة للشكل الفني وجعل الفن في «متناول الجميع».
صحيح أن ما قدّمته نادين يبدو مثيراً للاهتمام لناحية التفاعل مع المتلقّي وتقديم المنحوتة للمشاهد بشكل ممتع، إلا أن منحوتاتها تميزت بجماليات مختلفة، لم تبلغ في جرأتها جرأة العرض التفاعلي نفسه. لكن لا بأس: فأجمل ما في هذا العرض التفاعلي يكمن في لحظات ابتكار وتحسس الأشكال عبر الصوت واللمس، بعيداً عن بناء فهم بصري.

«رجاءً عدم اللمس» لنادين أبو زكي: حتى 30 نوفمبر ــ فضاء Station (جسر الواطي ــ بيروت). للاستعلام: 71/684218