ثمة حقيقة واضحة، يجمع عليها المعنيون كافة: ليس هناك مسلخ «مطابق» في لبنان. تفتقر العاصمة، كما سائر المناطق اللبنانية، الى مسالخ حديثة تتوافر فيها الشروط الصحية والبيئية.
أمس، أعلن وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور إقفال عدد من المسالخ في مختلف المناطق اللبنانية، وتوجيه إنذارات لبعضها لـ»تحسين وضعها»، لافتاً الى افتقار هذه المسالخ الى الشروط الفنية والبيئية والصحية الواجب اعتمادها.
الواقع «أن أياً من مسالخ لبنان لا تتوافر فيه الشروط الفنية الإنشائية»، حسب ما يؤكد رئيس دائرة الصحة العامة في وزارة الزراعة الطبيب عباس الديراني لـ»الأخبار».
إن عدم التزام الشروط الفنية يعود الى واقع الفوضى الذي يحكم قطاع اللحوم، فإنشاء المسالخ يتطلب الحصول على رخصة من وزارة الصناعة، باعتبار «أن المسلخ مصنف مؤسسة صناعية من فئة ثانية»، وهو أمر مكرس في المراسيم التنظيمية، وفق ما يلفت مدير الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة الياس ابراهيم. وعلى الرغم من أن تحديد الشروط الفنية والصحية الواجب اعتمادها في المسالخ يندرج ضمن صلاحيات وزارة الزراعة، وفق ما يؤكد الديراني، إلا أنها لا تملك الصلاحية بإعطاء التراخيص ولا صلاحية الإيعاز المباشر بإقفالها.
من بين 40 مسلخاً في لبنان، مسلخ واحد مرخّص. هذا ما تؤكده معطيات دائرة الصحة العامة في وزارة الزراعة، وبخلاف جميع مزاعم أصحاب المسالخ حول وضعهم القانوني و»المرخص»، تكشف الجهة المعنية مباشرة بقطاع المسالخ في الوزارة أن مسلخاً واحداً فقط حاصل على رخصة من وزارة الصناعة.
800 رأس بقر تُذبح
يومياً في لبنان ومعظمها
يُذبح في المسالخ



أهمية إعطاء الرخص من وزارة الصناعة تعود الى اختصاص الأخيرة في دراسة المكان الذي يجب أن يوجد فيه المسلخ، هذه الدراسة تشمل آليات تصريف الفضلات والعمل على التجهيزات الفنية المرتبطة مباشرة بالحفاظ على الشروط الصحية، وفق ما يلفت أحد المعنيين في دائرة المسالخ في وزارة الزراعة.
المفارقة، أن العديد من المعنيين في ملف سلامة الغذاء لفتوا الى أن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق البلديات «المخوّلة إعطاء الرخص والمكلّفة المراقبة والإشراف على واقع المسالخ المنشأة ضمن نطاقها البلدي»، على حد تعبير أحد «المطلعين» على الملف في وزارة الصحة، إلا أن البلديات نفسها تحتاج الى تراخيص.
يلفت الديراني الى وجود نوعين من المسالخ، مسالخ يديرها القطاع العام المتمثل بالبلديات، ومسالخ يديرها القطاع الخاص (شركات وأفراد). اللافت أن جميع المسالخ التي تديرها البلديات «غير مرخّص لها «لا من وزارة الصناعة ولا من غيرها» (الهرمل/ بعلبك/ بيروت/ طرابلس/ حلبا/ برج حمود/ صيدا/ صور/ بنت جبيل/ الخيام/ النبطية/ جزين/ الغازية/ زفتا). يشير الديراني الى أن الوضع بين هذه المسالخ والمسالخ «الخاصة» متشابه، فكلّها تفتقر الى التجهيزات الفنية الإنشائية ولا تخضع للرقابة الفعالة. يلمّح الديراني الى «سلوك» البلديات التي تعتبر نفسها سلطات محلية منتخبة، وبالتالي ليست ملزمة بالحصول على تراخيص، بل بإعطائها. «اللغط» حول تحديد الجهة المسؤولة عن المسالخ الموجودة عند بعض المسؤولين، قبل المواطنين، يعود الى تداخل صلاحيات الوزارات والبلديات، وغياب السياسات الواضحة في هذا الإطار. «لم يتم العمل على ملف المسالخ في لبنان منذ عهد لبنان الكبير»، يقول الديراني.
هكذا إذاً يتم التعامل مع ملف المسالخ، علما بأنها تشكّل المصدر الرئيسي للحوم. يؤكد الديراني أن حوالى 60% من اللحوم التي تباع في الأسواق مصدرها المسالخ. يعطي مثالا عن منطقتي بعلبك والهرمل حيث يتم ذبح جميع المواشي في المسالخ الموجودة فيهما. أمّا بالنسبة إلى العاصمة بيروت، فحوالى 80% من اللحوم المتوافرة في السوق مصدرها المسالخ الموجودة في بيروت وضواحيها، أي مسلخ بيروت المؤقت (المقفل حالياً بهدف التأهيل) ومسالخ الشويفات (4 مسالخ) ومنطقة عين سعادة - الفنار (8 مسالخ)، مضيفاً إن اللحوم المتوافرة في سوق صبرا مصدرها هذه المسالخ. وفيما يلفت رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو الى غياب الإحصاءات والدراسات المتعلّقة بنسب الاستهلاك لـ»اللحوم المحلية»، يشير الديراني الى أن هناك حوالى 800 رأس بقر تذبح يومياً في لبنان، القسم الأكبر منها يذبح في المسالخ.
يُذكر أن وزارة الزراعة كانت قد وجهت إنذارات الى بعض المسالخ لتحسين أوضاعها، كما وجهت إنذارات بإقفال مسالخ البيسارية والعاقبية وطرابلس والغازية وبيروت (هذه المسالخ هي نفسها التي أقفلتها وزارة الصحة)، وأوصت وزارة الداخلية بالقيام بهذه المهمة، الا أنها لم تلق أي تجاوب حينها. وإذا كان غياب التنسيق بين الجهات المعنية في هذا المجال هو الذي ساهم في تدهور الوضع الصحي لهذا القطاع، فإن الاستمرار في هذه الحملة من دون سياسة ممنهجة تعالج الأسباب وتتدارك النتائج التي خلّفها الإهمال المتراكم، سيفشل أي جهد يقام من أجل «صحة» هذا القطاع.
لا يزال مسلخ صور، يتحمل عبء إقفال مسلخي الغازية والعاقبية، فبعدما كان هذا المسلخ يستقطب 25 الى 50 قصاباً، بات يستقطب أكثر من مئتي قصاب. فكيف بمسلخ لا تتوافر فيه الشروط الإنشائية الفنية أن «يحتضن» هؤلاء القصابين «المقطوعين».
البعض سخر من إقفال مسلخي العاقبية والبيسارية بالشمع الأحمر. إذ بالنظر إلى الطريقة التي تنقل فيها الذبائح من مسلخ صور البديل، لا يبدو أن الأهداف الحمائية المتوخاة لصحة المواطن من إقفالهما، قد تحققت. أحد القصابين الذي يذبح المواشي بالجملة ويوزع على عدد من ملاحم العاقبية ومحيطها وساحل الزهراني، التزم بقرار إقفال مسلخ العاقبية، فاستبدله بمسلخ صور. منذ ذلك الحين، ينقل الذبائح بـ»الفان» وصندوق السيارة و»رابيد» من صور نحو الزهراني، أي مسافة تستلزم حوالى نصف ساعة لقطعها. عدد من أصحاب الملاحم همس بأن مسلخ العاقبية لم يقفل تماماً. بعضهم استحدثوا باباً خلفياً ليستخدموه تحت جنح الظلام وبسرية تامة، فيما تحول البعض إلى مسلخ صور. لكنهم يلفتون الى أن كبار الملاحم لم تكن تستخدم المسلخ في الأساس، بل كان لبعضهم مسلخهم الخاص الملحق بالملاحم، والبعيدة عن أي جهاز رقابي.
اللافت هو ما «أنتجه» إقفال هذين المسلخين، وهو الذبح على الطرقات بحجة الإقفال، عاد البعض ليذبح أمام ملحمته بمحاذاة الشارع العام. هؤلاء يتمسكون بتلك العادة ليؤكدوا للزبون أن اللحم طازح وليس مبرداً بعدما ضربت حملة أبو فاعور صيتهم، علماً بأن العملية كما في السابق كانت تتم من دون إشراف طبيب من لجنة الصحة أو الأمن الغذائي أو طبيب البلدية، هذا إذا توافروا في بلديات المنطقة.
الأمر لا يختلف كثيراً في طرابلس، فقد فتح إغلاق مسلخ طرابلس الباب على ما يجري من تجاوزات في هذا المجال، وينبغي معالجتها سريعاً، وخصوصاً في محلة الرفاعية وسوق العطارين، حيث تنحر المواشي في الطرقات وتباع لحومها في الهواء الطلق، وعلى بيع الدواجن واللحوم في محيط جامع محمود بك في باب التبانة، حيث تنعدم المواصفات الصحية كلياً.
المفارقة أن البديل المعتمد من أجل تدارك الأزمة التي خلّفها إغلاق المسلخ يتمثل باعتماد مسلخ بديل ومؤقت في منطقة البداوي، علماً بأنه «لا يستطيع تلبية أكثر من 50 في المئة من الاحتياجات التي كان يقدّمها المسلخ الذي جرى إغلاقه» وفق ما يقول نائب رئيس اتحاد بلديات الفيحاء (الجهة المشرفة على المسلخ). ذلك أن تجربة «المؤقت» والبديل لا تبدو «صحية»، وتتجاوز مسألة عدم تلبيتها الحاجات المطلوبة وتشمل أهلية التجهيزات «المؤقتة» التي ستعتمد، فإذا كان المسلخ «الأساس»، المعتمد منذ سنوات، يفتقر الى الحد الأدنى من الشروط، فمن سيقنع أهالي طرابلس بأن هذا «المؤقت» هو البديل «الصحي». وهو أمر لا يوحيه كلام غمراوي، إذ يصف المسلخ البديل من الناحية الصحية بأنه «ضمن المعقول».

* بمشاركة عبد الكافي الصمد.




اللحوم المجلّدة والمستوردة

يشير رئيس اتحاد القصابين وتجار المواشي معروف بكداش الى أن معظم اللحوم التي صودرت هي مبرّدة ومجلّدة. ويلفت الى بعض القرارات المعتمدة في وزارة الصحة التي تستدعي إعادة النظر فيها وتعديلها. «لماذا لا يتم تعديل القرار الذي يقضي بإعطاء 60 يوماً كمهلة لنقل اللحوم الى بيروت؟»، يتساءل بكداش، «لماذا لا يتم خفضها الى 45 يوما كما كان معتمداً في الفترة الممتدة من 1998 الى 2003؟». مهلة الستين يوماً كفيلة بأن تجعل اللحوم التي تصل منتهية الصلاحية. هذا الكلام يؤكده المدير العام لمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية ميشال افرام الذي يقول إن اللحم المبرّد المستورد يصلح لـ 60 يوماً فقط «وبعد ذلك يجب إتلافه». ويلفت افرام الى أن بعض التجار يعمدون الى تثليج اللحم بعد انتهاء المهلة وهو «أمر خطأ، لأنه أصبح فاسداً». يذكر أن لبنان يستورد سنوياً، حوالى 15 ألف طن من اللحوم، حسب إحصائيات جمعية حماية المستهلك، حوالى 58% من هذه الكمية هي لحوم مبرّدة ومثلجة (من ضمنها السمك والمنتجات المحولة كالمارتديلا وغيرها).