كمَنَ احد دوافع عدم ارتياح رئيس مجلس النواب نبيه بري الى مداولات الاجتماعين الاخيرين للجنة النيابية المكلفة درس قانون الانتخاب، في تخوفه من ربط اعمالها بالطلب الذي حمله اليه نواب التيار الوطني الحر بعقد جلسة للمجلس لتفسير المادة 24 من الدستور حيال المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في انتخاب اعضاء البرلمان. وكان تلقّى الطلب في رسالة وجهها اليه الرئيس ميشال عون في 17 تشرين الثاني، عمد بري على الاثر الى اجراء مشاورات مع الكتل النيابية بازاء دعوة المجلس الى جلسة تفسير احدى مواد الدستور.
وهي المرة الاولى يدعى البرلمان الى مهمة كهذه في ظل اتفاق الطائف، الا انها ليست الاولى.
اقرن بري موقفه من رسالة عون بتسجيل ثلاث ملاحظات اولى حيال الطلب:
اولاها، ان تفسير مادة في الدستور يتطلب موافقة ثلثي مجلس النواب لاقراره. وهو امر يعني في رأيه توافر غالبية موصوفة مماثلة للغالبية المطلوبة لتعديل الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية. ما يشير الى ضرورة توفير ما يقرب من الاجماع السياسي، مماثل لهذا الكم من الاصوات قبل الوصول الى انعقاد الجلسة. ناهيك بأن تغيب فريق أساسي يمثل طائفة رئيسية يحول دون انعقاد الجلسة.
ثانيها، ان تفسير الدستور يماثل تعديله. وهو لا يعني فحسب شرحا لمادة يعتقد صاحبو الطلب بانها تنطوي على غموض يحتاج الى جلاء، بل من شأن التفسير ان يفضي الى صيغة اخرى للمادة المعنية، ما يجعلها تبعا لذلك مادة جديدة. اذن يصبح مجلس النواب في صدد تعديل دستوري يخضع استطراداً للنصاب الموصوف، لكن من دون ان يمر حكماً بالآلية الدستورية المنصوص عليها للتعديل عندما يرد من رئيس الجمهورية او من النواب.
ثالثها، لا يمكن تفسير مادة دستورية في معزل عن مواد اخرى قد تكون مرتبطة بها على نحو وثيق، او في معزل عن الخوض في الروحية التي وضع المشترع المادة المشكو منها.
ليخشى برّي دخول متاهة تفسير مواد اخرى وصولاً الى مقدمة الدستور


الا ان تفسير مادة من شأنه ان يؤول الى تفسير اخرى، ما يدخل مناقشة الموضوع في اشتباك سياسي يبدأ من غير ان يتكهن احد بطريقة الخروج منها. لاحظ رئيس المجلس ان طلب التيار الوطني الحر تفسير المادة 24، قابله في رد فعل فوري احد نواب تيار المستقبل بطلب تفسير المادة 27 القائلة بأن النائب يمثل الامة جمعاء.
لا يقتصر الامر، في رأي بري، على هذا الجانب. بل قد يفضي الى دخول متاهات مواد اخرى بذريعة انها مشوبة بغموض مشابه، تحتاج الى تفسير وصولا الى مقدمة الدستور نفسها، وتاليا الى الفقرة ي القائلة بلا شرعية سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.
عندما تسلم بري رسالة عون، وكان على اهبة ترؤس اجتماع اللجنة النيابية لقانون الانتخاب في 17 تشرين الثاني، سأل حاملها النائب آلان عون: هل يربط تياره بين طلب جلسة التفسير ومشاركته في اجتماعات لجنة قانون الانتخاب، فرد بالنفي. اعاد عليه السؤال اياه قبيل ارفضاض جلسة اللجنة، فكان الجواب ذاته. في ما بعد، لمس رئيس المجلس ان نواب التيار باتوا يستعجلون جلسة التفسير، ويرغبون في عقدها قبل انقضاء مهلة الشهر المخصصة لعمل اللجنة النيابية مطلع السنة الجديدة. لاحظ كذلك محاولة ربط جديدة بين ملفين مختلفين، يتنكب كل منهما ما يكفيه من عقبات.
يعزو بري تريثه في الدعوة الى جلسة التفسير الى استكمال مشاوراته لضمان اوسع موافقة على حضور الجلسة، في ظل اصراره على ان النصاب المطلوب للتفسير هو النصاب الموصوف لجلسة التعديل، اي ثلثي النواب. ما ينبىء بعراقيل جمة في طريق الوصول الى انعقاد الجلسة، رغم تشبّث عون وتياره بجلاء ما يُعدّ خللا في تطبيق المادة 24 انعكس بدوره سلبا واجحافا في قوانين الانتخاب المتعاقبة على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في مقاعد البرلمان. فإذا هي مناصفة شكلية افقدت المسيحيين حقا ناطه بهم الدستور، بالحصول على نصف مقاعد المجلس من خلال تمثيل سياسي وشعبي صحيح.
وسواء دعيت الهيئة العامة الى جلسة تفسير ام لا، فإن ثمة سابقة تفسير جرّبها مجلس النواب قبل عقود، في حقبة ما قبل اتفاق الطائف.
في 28 كانون الثاني 1980 والاول من شباط، اجتمعت اللجان النيابية للنظام الداخلي والادارة والعدل وهيئة مكتب المجلس، ترأس رئيس المجلس آنذاك كامل الاسعد الاجتماع الاول. خلص هذان الاجتماعان بعد مناقشات طويلة استأنست بدراسات دستورية لادمون رباط واميل بجاني وجوزف زين شدياق وجو ثابت، الى استشارة من العالم الدستوري الفرنسي جورج فيديل، الى ستة قرارات فسرت المادة 57 من الدستور، وحددت طريقة تعاطي مجلس النواب مع قانون كان قد اقرّه واحاله على رئيس الجمهورية فرده اليه لاعادة درسه. حددت «القرارات التفسيرية» تبعا لما اعلنته اللجان المشتركة، وهي الاولى حتى ذلك الوقت، الغالبية المطلوبة للاصرار على القانون المعاد بموجب المادة 57، وقررت حينذاك مع التناقص التدريجي للنواب بالوفاة او الاغتيال احتساب الاكثرية من عدد النواب الاحياء لا الذين يتألف منهم المجلس قانونا. كذلك تناولت القرارات الستة صلاحية رئيس الدولة في اعادة قانون الى المجلس مرة ثانية بعد ان يكون الاخير اقره ثانية بعد الاخذ كليا او جزئيا بالاسباب التي تضمنها رده الى البرلمان. وبحسب تقرير رئيس لجنة النظام الداخلي النائب مخايل ضاهر في 10 نيسان 1980، فان القرارات الستة اتخذت في ضوء دراستي فيديل وبجاني بالاجماع، ما خلا القرارين الخامس والسادس اللذين اتخذا بالاكثرية.