حيوية شخصيتها واستقلالها لم يجعلاها تكتفي بدور مؤدية فقط. صباح «مطربة» بامتياز، لم تنجح معها الطريقة المستحدثة من المدرسة الغربية التي أعطت الملحن معظم (إن لم يكن كل) المساحة للخلق. لقد كانت خارج القولبة. رغم نجاح السنباطي المؤقت في تطويع صوتها الجبلي والبلدي المنتمي إلى بلاد الشام ليشبه الأداء المصري، أعادت الشحرورة شخصية حنجرتها إلى كل لحنٍ وكلمة. لقد «ابتكرت» صوتاً من صوتها، جبلته ليجمع بين شخصيتين كادتا أن تكونا متناقضتين في تلك الحقبة: استعراض أنثوي لقدرات صوتية جدية. كانت تغرف من تراث يحوي قساوة بلدية في تقنيات عالية تنبع من شموخ أرز لبنان لتنساب منها غنجاً وجرأة في جو اجتماعي محافظ يكاد يفقد صوابه لسماع جملة «يا إمي طلّ من الطاقة... غمزني وفلّ يا إمي». من خلال صوتها، نجحت في إظهار جموح الفتاة العفوية بأداءٍ يحترم تراثاً قديماً ويضيف إليه ما يليق به. لقد قطفت أجمل الألحان من أعظم موسيقيي مصر ولبنان وسوريا منذ فيلمها الأول «القلب له واحد» المأخوذ عن قصة سندريلا. جمعت شحرورة المجد من الثلاثي: زكريا أحمد (حيرانة يا ربي)، محمد القصبجي (يا بحر جينا) ورياض السنباطي (بشويش على عقلك).

أخذت من فريد الأطرش بعض الألحان مثل «أكلك منين يا بطة»، «عالصورة امضيلي»، و«حبيبة أمّها».
أما الأشهر، فكانت «يا دلع يا دلع» التي نافست يومذاك «عالضيعة يامّا عالضيعة» من ألحان عبد الوهاب، تلك التي خلق فيها الموسيقار لحناً لبنانياً بامتياز. أما مع بليغ حمدي، فلا شك أنها نجحت في معظم ما غنت له، مثل «يانا يانا»، و«عاشقة وغلبانة»، و«زيّ العسل»، و«يا حبيبي يا حياتي». في اللحن، ابتعدت عاشقة الحياة عن شجون الشروقي، بينما انتقت من فنون الزجل ارتجال الميجانا والعتابا وأبو الزلف، فكانت قمة تألقها في «مهرجانات بعلبك»، حيث تفوقت إلى حد التحديث وإضافة بصماتها الثابتة إلى هذه القوالب القديمة، ليشهد لها عاصي الرحباني بأنها «تعيد بناء قلعة بعلبك بموّالها بعد أن يهدمها وديع الصافي بصوته». بعد مسرحيات «موسم العز» و«دواليب الهوا»، «القلعة» و«الشلال»، جنت صباح أعمالاً كرمتها لحناً وكلمة. إلى جانب «عالندا الندا»، «عتيمة عالعتيمة» «ع الليلكي»، خلدت «الصبوحة» لقبها في أغنيتي «جيب المجوز» و«يا طير الزعرورة» بفضل الرحابنة. أنصفت صباح معظم ملحني أعمالها بأدائها. عبرت في «أخدوا الريح» عن كل ما تضمره جمل المبدع مطر محمد اللحنية من ألم وحزن ووحدة. أما في أغانٍ مثل «يا إمي طل من الطاقة»، و«واقفة ع راس الطلعة»، و«جوزي ما بيلفي عالبيت»، و«يا ربّ تشتّي عرسان»، و«عالعصفورية»، فتقمصت ابنة الجبل الشخصية الهزلية لعبقري الفطرة فيلمون وهبي.
شهد لها عاصي الرحباني
بأنها تعيد بناء قلعة بعلبك

كان له قسط كمي ونوعي من أرشيفها، إذ أعطاها إلى جانب الأغاني الهزلية إبداعات مثل «راجعة على ضيعتنا»، و«يا إمي دولبني الهوى»، و«دخل عيونك».. غنت أيضاً لإيلي شويري («عامر فرحكم عامر»، «تعلا وتتعمر يا دار») واشتهرت «أهلاً بهالطلة» لزكي ناصيف.
لكن النجاح اللافت كان بغزارة أعمال نتجت من تعاملها مع الراحل وليد غلمية الذي انصرف لاحقاً عن التلحين الشعبي مع خلود «درجي»، «دوسا»، «دوبارا»، «قلعة كبيرة»، «مرحبا يا حبايب»، «مسّيناكم»، «يسلم لنا لبنان»، «يا مسافر وقف عالدرب». أعطت صباح لهذه الأغاني روحها الإيقاعية الغنية بالزخرفة اللحنية، حتى في أكثرها هدوءاً، مثل «شو بدي أعمل قلي» التي امتازت بمقام اللامي الذي أبدع ملحنها بحجب الحس الحزين لهذا المقام العراقي...
ربما كانت من القلائل الذين انعكست شخصيتهم بصدق على ممارساتهم الفنية. ابنة شقيق شحرور الوادي التي أتقنت العديد من أنواع الزجل «غنت موالها» الخاص. عاشت لنهارها، لا بفساتينها وزيجاتها فحسب، بل بفنها الذي عكس على المستمع بساطة غير متوقعة من أداءٍ وتنويع لقوالب جدية.