يتوقع مدير أبحاث تغير المناخ والبيئة في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، نديم فرج الله، أن تنخفض حصة الفرد من المياه سنوياً في لبنان من 926 إلى 839 متراً مكعباً العام المقبل، علماً بأن 1000 متر مكعب هي عتبة الشح. يعزو فرج الله تقلص حصة الفرد السنوية من المياه إلى زيادة الضغوط على مصادر المياه، وإهدارها وسوء إدارتها في الوقت نفسه، متوقعاً أن يزداد الوضع سوءاً في السنين المقبلة، فتنخفض المتساقطات بنسبة 20 إلى 40%، ويحدث «انقلاب» في وتيرة سنوات الجفاف، وهي الآن مرور سنة جفاف واحدة تقريباً كل 6 أو 10 سنوات، ليصبح النمط سنة واحدة «طبيعية» مقابل 6 أو 10 سنوات من الجفاف!
ورغم تكرار التحذير من خطر تحقق سيناريوات كارثية مشابهة، لا تزال «الدولة» تتعاطى مع الموضوع باستهتار بالغ، حيث تترك فوضى تلويث الأنهار والمياه الجوفية على غاربها، لضعف شبكات الصرف الصحي خارج مدينة بيروت، والغياب شبه التام لمحطات تكرير مياه الصرف.

يعتبر فرج الله النمو السكاني أهم الأعباء على مصادر المياه، رغم انخفاضه إلى نسبة 0.96%، إذ زاد عدد اللاجئين بأكثر من مليون شخص في السنوات الأخيرة (مع إقراره بأن نمط استهلاك اللاجئين في المخيمات للمياه هو أقل بكثير من نمط استهلاك القطاع المنزلي، وأن الأخير بدوره أقل بكثير من نمط استهلاك القطاع السياحي). الوضع يزداد سوءاً في ظل الهدر البالغة نسبته حوالى 48% في الشبكات المهترئة لتوزيع المياه. بعد الحرائق، تنجرف التربة في حال لم تكن الأراضي الجبلية «مجللة»، يقول فرج الله، مضيفاً أن لا أحد «يجلل» الأراضي الآن بسبب «تهجير أبناء الجبل اقتصادياً»، محذراً من أن استمرار التهجير (باستمرار السياسات الاقتصادية نفسها) سيحرم المدن من مياه الشفة، ذلك أن انجراف التربة نتيجة إهمال الأرض سيزيد من نسبة المتساقطات التي تذهب هدراً إلى البحر بدل تغذية المياه الجوفية.

غياب السياسة العامة المائية يترك 80% من الأنهار ملوثة، بحسب فرج الله الذي يعطي لمحة عن اضمحلال البنى التحتية والخدمات العامة خارج بيروت: تتدنى «وصلات» الصرف الصحي من حوالى 96% في بيروت إلى حوالى 1% في البترون، ولا تعالج محطات التكرير سوى 8% من المياه المبتذلة فقط! المتساقطات تكفي حاجة السكان في لبنان إذا ما أديرت بكفاءة، يقول عدنان ملكي، المنسق الوطني لمرفق البيئة العالمي التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لكن الأنهار تُركت لتصبح قنوات للصرف الصحي، فباتت بحيرة القرعون مثلاً «خزاناً ضخماً للمجارير»! أما السبب، فهو بحسب ملكي تكوين السلطة والإدارة العامة لشؤون البلاد التي «حولت المياه من حق عام إلى سلعة، فلا يستطيع الفقير الحصول على حقه في المياه النظيفة». لا يرى ملكي في إنشاء السدود أولوية، مشيراً إلى أن أول البدائل تكرير مياه الصرف البالغة حوالى 300 مليون متر مكعب في السنة (بكلفة أقل من كلفة إنشاء السدود) واستعمالها للري، وبالتالي إنقاذ حوالى 2.3 مليار متر مكعب من المياه من التلوث.
(الأخبار)