من يحمي الحقوق الأساسية للبنانيين إذا كان ممثلوهم في المجلس النيابي يسبقونهم إلى التذمر، تارة من ضعف موارد الدولة وانتظار التمويل الخارجي، وطوراً من الخلفيات السياسية المعرقلة للمشاريع؟ وإذا كان من يملك صلاحيات لا يراقب ولا يحاسب، فمن يحاسب؟ وماذا يترك لنا كمواطنين؟هذه بعض الانطباعات التي خرج بها طلاب جامعيون كانوا يشاركون في حلقة حوارية نظمها المنتدى اللبناني للتربية المدنية عن حق اللبنانيين بالتعليم المجاني الجيد. الطلاب طرحوا أسئلتهم عن الدور الرقابي للنواب واستراتيجية الدولة تجاه التعليم الرسمي والخاص والتعليم العالي، على عضوَي لجنة التربية النيابية فريد الخازن ومحمد الحجار.

كان لافتاً ما أكده الخازن لجهة أن جزءاً من المساءلة ومتابعة العمل في التعليم مرتبط بالمواطنين وليس فقط بمجلس النواب، فيما المسؤولية المباشرة عن القطاع وإصدار المراسيم التطبيقية للقوانين التي تقرها السلطة التشريعية منوطة بالحكومة وبوزارة التربية. ومع ذلك، فهو يقر بأنّ الاعتبارات السياسية تشوب العمل التشريعي، وأن لجنة التربية ليست مفعّلة اليوم كما كانت في السابق حين كانت تأخذ المبادرة وتواكب عمل السلطة التنفيذية.
استفز عضو تكتل التغيير والإصلاح قول الطلاب إنّ الدولة تنتهج سياسة إفقار المدرسة الرسمية. بالنسبة إليه، هذه المدرسة موجودة ومنتشرة في كل لبنان أكثر من أي وقت مضى، و«يمكن أن تعطي نتيجة أفضل إذا أعيد التوازن إلى توزيع المدارس بين المناطق وتأمنت التجهيزات المطلوبة». ومع ذلك، فهو يعتقد أن مساءلة مدرسة فاشلة أو إقفال أخرى متعثرة أسهل بكثير في التعليم الخاص منها في التعليم الرسمي، من دون أن يشرح الأسباب. يُدرج الخازن إعطاء منح التعليم لدعم أصحاب المدارس الخاصة التجارية المعفاة من الضرائب على أرباحها وتمويل أصحاب المدارس الخاصة المجانية بـ56 مليار ليرة من موازنة وزارة التربية، في خانة حرية الأفراد في تعليم أبنائهم في المدارس التي يريدون.
يُدرج الخازن إعطاء منح التعليم لدعم أصحاب المدارس الخاصة التجارية

وعن دور مجلس النواب في مراقبة موازنة المدارس الخاصة، يقول إنّ وضع هذه المدارس شائك جداً، ومشروع خفض الأقساط طموح جداً ويحتاج إلى تمويل كبير! يذكّر هنا بأن القانون 515 يعطي صلاحية كبيرة للجان الأهل في مراقبة الموازنة ورفضها «لكن ذلك لا يحصل بسبب المحسوبيات».
وفي التعليم العالي، يعتقد الخازن أنّ الوضع لا يمكن أن يستقيم في الجامعة اللبنانية إذا كان الهدف فقط هو «البقاء على قيد الحياة» وإذا بقي القرار التربوي خاضعاً بالمطلق للقرار السياسي، وإذا ظل معظم موازنة الجامعة يذهب إلى الرواتب والأجور دون تطوير الأبحاث التي تنتظر في الغالب الهبات والقروض من الخارج. ويتحدث عن شريعة غاب تسود قسماً كبيراً من الجامعات الخاصة التي تعطي شهادات غير معترف بها في العالم، بل إنّ بعض الجامعات موجودة على اللائحة السوداء في التصنيفات العالمية.
عضو كتلة المستقبل النيابية محمد الحجار حاول أن يقارب ملفات المحاورين بدقة أكبر من خلال تقديم أرقام تشير إلى واقع المدرسة الرسمية التي تعاني تراجعاً في عدد طلابها (30.7% من الطلاب) لمصلحة المدرسة الخاصة غير المجانية (52.9%)، في وقت بات فيه التعليم الرسمي يعتمد على التعاقد بشكل أساسي (34% من الأساتذة متعاقدون)، بينما أكثر من نصف المعلمين لا يدرّسون في مواد اختصاصهم. وفيما لفت إلى أنّ إقفال دور المعلمين أسهم في تراجع المدرسة الرسمية، قال إن موازنة وزارة التربية في عام 2014 تبلغ 1651 مليار ليرة من أصل 21 ألف مليار ليرة أي 7.8%، تذهب بمعظمها إلى الرواتب والأجور ولا يبقى سوى 80 مليار ليرة للنفقات الاستثمارية. مثل هذا الواقع يؤدي، بحسب الحجار، إلى البحث عن تمويل خارجي لتطوير التعليم.
عقدة الموارد لا تزال تلاحق الموقف من سلسلة الرتب والرواتب، إذ أكد الحجار أنّه ليست هناك موارد موثوقة حتى الآن، فالبحث عنها في أماكن الهدر يحتاج إلى وقت، فيما لا تتجاوز المبالغ المقدّرة من الغرامات على الأملاك العامة العمومية 60 مليار ليرة، باعتراف وزارة المال.
المفارقة أن يكون الحجار مقتنعاً بأن هناك لجاناً متخصصة في وزارة التربية تحدّث المناهج بشكل دائم، علماً بأنّ المركز التربوي للبحوث والإنماء لم يجر أي تعديل جوهري على المناهج منذ إصدارها في عام 1997. والدليل ما قاله أحد الطلاب المشاركين أننا «لا زلنا نشطب بعض الفصول التي لا ترتبط بالواقع مثل خدمة العلم في كتاب التربية المدنية».
الحجار تذرّع أيضاً بالتدخل السياسي الذي يطيح كل قنوات الرقابة للمجلس النيابي، فطرح الثقة بالوزير بصورة إفرادية أو بالحكومة مجتمعة مكفول بالقانون، لكن «علينا أن ننتظر ما إذا كانت الكتل النيابية ستسمح بذلك أو لا تسمح». لكن إلى مدى يمارس النواب وأعضاء اللجان النيابية حقهم المكرس بالدستور ودورهم في استدعاء الوزراء واستجوابهم والقيام بالتحقيق البرلماني؟
وفي ما يخص غياب المراسيم التطبيقية لقانون إلزامية التعليم ومجانيته وقانون تنظيم التعليم الخاص، فالأمر يعود إلى تقاعس وزارات التربية المتعاقبة، «لكن العمل جار على إصدارها، وخصوصاً أن هناك جهات دولية تلاحقنا وتضغط في هذا الاتجاه!».