حتى كتابة هذه السطور، لم يعلن تنظيم «داعش»، رسمياً، موقفه من لعبة كرة القدم في المناطق الخاضعة لسيطرته أو بين مقاتليه، علماً بأن زعيم هذا التنظيم أبو بكر البغدادي «كروي الهوى»، بحسب ما أفادت صحيفة «ذا دايلي تلغراف» في تقرير لها، حكت فيه عن نشأته في منطقة طوبجي في بغداد، حيث نقلت عن خادم الجامع الذي كان يرتاده البغدادي أن الأخير كان «لاعباً موهوباً»، واصفاً إياه بـ»ليونيل ميسي».
حتى الآن، ثمة ضبابية وتضارب في الأنباء، حول «شرعية» هذه اللعبة من عدمها بالنسبة الى التنظيم. ففي حين تذكر التقارير أن قادة «داعش» أصدروا تعميماً في محافظة ديالى في العراق حرّموا بموجبه على مقاتلي التنظيم لعب الكرة لما اعتبروه «لهواً مضراً لروح الجهاد»، واعدين بمعاقبة المخالفين للقرار بالجلد، وصولاً إلى الطرد، فضلاً عن القرار السابق بحظر عرض مباريات كأس العالم 2014 في المقاهي، فإن الوضع يبدو مغايراً في محافظة نينوى، حيث ذكرت تقارير أن مقاتلي «داعش» ممن كانوا يلعبون الكرة قبل التحاقهم بالتنظيم أُبلغوا من قبل قادتهم، بإذن من البغدادي، السماح لهم بممارسة هذه الرياضة وتأسيس فرق، على أن تصدر «لوائح بالضوابط الشرعية التي يجب الالتزام بها» خلال اللعب. وأوردت التقارير أن المقاتلين بدأوا بالفعل في تكوين فرق «للتنافس بين ولايات الدولة الإسلامية».
هذه الأنباء تتقاطع مع أنباء أخرى من فرع «داعش» في ليبيا، أوردت الشهر الماضي أن التنظيم يعتزم إقامة بطولة «دولية» في ملعب مدينة درنة يجمع فيها فرقاً لأنصاره من أفغانستان وسوريا والعراق ومصر، إضافة إلى فرق من ليبيا ويشرف عليها مقاتلون كانوا يلعبون الكرة قبل الانتقال الى «الجهاد»، من دون ذكر كيفية حضور الفرق إلى البلد المضيف. ولم تخفِ التقارير أن «التنظيم» يستفيد من مباريات الكرة لجذب الشبان اليافعين للالتحاق بصفوفه.
على أي حال، واستناداً الى ما تقدم، يبدو واضحاً أن ثمة بذوراً لـ«الداعشية الكروية» وأن هذه الكرة لن تفلت بدورها من «مقصلة» هذا التنظيم. الصورة السالفة ليست وحدها المعيار، فقد ارتبط اسم «داعش» بهذه اللعبة، لكنه ارتباط مختلف عن السائد، ارتباط فقدت فيه هذه الكرة جمالها وتلطخت بالدماء والوحشية، بدت الكرة بوجه شرير ومخيف وبعيد كل البعد عن كنه هذه اللعبة، هذا على الأقل، ما تظهره لنا الصور الفظيعة في بربريتها لعدد من أفراد التنظيم وهم يلعبون الكرة في إحدى المناطق السورية برؤوس اقتطعوها لتوّهم، تماماً كمشهد إعدام شخص في ملعب لكرة القدم في مدينة درنة الليبية تحت أنظار الحشد الجماهيري في المدرجات.

مقاتلون كرويون

وجه آخر لـ«الداعشية الكروية» يظهر عبر لاعبين سابقين في كرة القدم التحقوا بالتنظيم. فقد فجّرت صحيفة «بيلد» الألمانية الشهيرة مطلع العام قنبلة هزّت البلاد بكشفها أن أحد اللاعبين السابقين في المنتخب الألماني للناشئين، والذي لعب إلى جانب النجم الحالي، سامي خضيرة، وتنقل بين فرق شهيرة مثل هانوفر 96 وألمانيا آخن ويدعى بوراك كاران، وهو من أصول تركية، قُتل في سوريا، في الاشتباكات في مدينة أعزاز على الحدود مع تركيا، بعدما هجر الكرة عام 2008 ليلتحق بصفوف «الجهاديين» في عام 2011.
أما في فرنسا، فقد ذكرت تقارير صحافية هناك أن أحد مواطنيها الثلاثة في صفوف «داعش» الذين كُشف أنهم شاركوا في جريمة ذبح 18 رهينة هو لاعب كرة سابق في فريق فانسان، ويدعى ميكايل دوس سانتوس (22 عاماً) وقد أصبح في صفوف التنظيم ملقباً بـ»أبو عثمان».

البروباغاندا الإعلامية

إلا أن «داعش» لم يوفّر «الصيد الثمين» بانتقال لاعبي كرة إلى القتال في صفوفه، إذ حاول استثمارهم عبر «البروباغاندا» الإعلامية التي تروّج للتنظيم. هكذا، فقد كان إعلان «داعش» التحاق لاعب كرة هولندي سابق من أصول مغربية يدعى عماد المغربي، وقد ارتدى قميص الفريق الشهير فيينورد روتردام، فريداً، حيث نشر «المنبر الجهادي الإعلامي» التابع للتنظيم صورة الشاب وهو يبايع البغدادي مرتدياً قميصاً يحمل صورة الأخير وعليه عبارة «خليفة المسلمين» وشعار «حكمت فعدلت»!


وفي الإطار نفسه، يمكن وضع الشريط المصوّر الذي ظهر فيه مقاتل أسمر البشرة ملثّم يدعى «أبو عيسى الأندلسي» ادّعى فيه أنه لاعب سابق لفريق أرسنال الإنكليزي، حيث شُغلت الصحف بكشف هويته لتخرج صحيفة «ذا دايلي ميرور» الإنكليزية بتقرير تعتبر فيه أن هذا المقاتل هو اللاعب الفرنسي الشهير لاسانا ديارا، ما أثار ضجة في الأوساط الإعلامية الأوروبية، حتى خرج اللاعب بنفسه ليكذّب هذه الادعاءات. وللتأكيد على ذلك، فقد نشر صورة على صفحته في موقع «تويتر» تظهره في الطائرة الى جانب زميلين له في فريق لوكوموتيف موسكو الروسي.
«التنظيم» يستفيد
من مباريات الكرة لجذب الشبان اليافعين
إلى صفوفه


لكن حضور «داعش» في كرة القدم تجلى بأوضح صوره وأفضحها عندما تناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي شريطاً مصوراً لجماهير فريق الرجاء البيضاوي خلال المباراة أمام الدفاع الحسني الجديدي في الدوري المغربي وهم يهتفون بشعارات مؤيدة للتنظيم مثل «الله أكبر الى الجهاد» و»داعش داعش، الله أكبر».
على أن «الرد الكروي» على هذه الصورة جاء من قلب أوروبا، وتحديداً من فرنسا، على لسان لاعب بوردو جوليان فوبير، قبل حوالى شهر، عندما سألته صحيفة «لو جورنال دو ديمانش» عن موقفه مما يقوم به «داعش» في سوريا والعراق وعن التحاق الشبان الفرنسيين به، فقال: «هذا لا يعكس شيئاً من الإسلام. إنهم أشخاص ضعفاء النفوس، وسهل التأثير فيهم، وهم مغرر بهم ويُقادون إلى الذبح. للأسف، هذه الصورة النمطية للإسلام الآن، غير أن أساس هذا الدين، كغيره، هو التسامح».