«اللعنة» التي فرضها وزير الاتصالات السابق شربل نحاس على التيار الوطني الحر في ما خص عائدات البلديات من ايرادات الهاتف الخلوي لا تزال سارية المفعول. حمى أموال البلديات عبر رفضه تحويلها من وزارة الاتصالات الى وزارة المال مصراً على إنشاء حساب خاص بالبلديات في مصرف لبنان. وبرغم الضغوط التي مارسها عليه ممثلو تيار المستقبل في الحكومة، لم يرضخ حتى تاريخ تقديمه استقالته من الوزارة. هو فصل من فصول مواجهات التيار مع النظام المالي، الذي سيطر على الدولة منذ تسعينات القرن الماضي.
انطلاقا من هذه الخلفية، يجمع اليوم النائب ميشال عون في الرابية رؤساء الاتحادات البلدية من أجل إيجاد حل لهذا الموضوع. سبق هذا الاجتماع، لقاء عقده عون مع اتحادات بلديات عكار، وغاب عنه رئيس اتحاد منطقة الجومة سجيع عطية، المقرب من نائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس. وعدهم عون بـ«القتال من أجل إحضار أموال البلديات»، اضافة الى البحث عن حل لهذه المشكلة، الأمر الذي «سيبحث اليوم مع جميع الرؤساء». إعطاء الاجتماع بعداً وطنياً بعيداً عن السياسة، دفع عطية وآخرين الى تبديل موقفهم والمشاركة، حيث سيكون في ضيافة «الجنرال» قرابة الـ 37 رئيساً لاتحاد او لبلدية.
الى جانب عون، سيجلس أمين سر تكتله النائب ابراهيم كنعان، «وسيكون الكلام بحت قانوني»، كما يقول أحد النواب العونيين. يصر التيار البرتقالي على أن «المشروع الذي سيقتطع حوالي الـ90% من أموال البلديات التي لديها مدخول يفوق المليار ليرة لا يستند الى أي قانون». الهدف ايجاد حل، «وإلغاء الاقتطاعات». لذلك، سيحاول العونيون «تفعيل التحرك وحث الحضور اليوم على ملاحقة نواب مناطقهم من أجل أن يضغطوا بدورهم على الحكومة حتى تعود عن قرارها».
أول عملية غش فعلية في ملف
أموال البلديات حصلت
عام 1997

يُقسم ملف أموال البلديات الى ثلاثة عناوين. العنوان الأول هو أن البلديات سلطات مستقلة بمثابة حكومات محلية. ما يعني أنها تملك حرية التصرف بأموالها ولا تخضغ الا للمساءلة والمراقبة. النقطة الثانية أنه بموجب النظام الاداري اللبناني، تقع على البلديات مسؤولية إنماء البنى التحتية في نطاقها، الأمر الذي ليست السلطة المركزية مجبرة على تنفيذه.
أما العنوان الثالث، فهو الشكل القانوني للصندوق البلدي المستقل، الذي يُعرّف عنه قانونياً بالحساب لا بالمؤسسة. سميّ كذلك، للتعريف عن «المكان» الذي تَحفظ فيه الدولة الأموال التي تجبيها لمصلحة البلديات، قبل أن يتبين أن وظيفته «شفطها».
أول عملية غش فعلية في ملف أموال البلديات حصلت عام 1997 حين قررت السلطة المركزية نيابة عن السلطات المحلية أن تتولى شركة سوكلين جمع النفايات. فأصبحت البلديات مدينة بقرابة الـ2000 مليار ليرة لهذه الشركة.
بداية «الاصلاح» كانت مع نحاس الذي تمكن من ادخار مليار و200 ألف دولار في حساب البلديات في مصرف لبنان. خلفه نقولا الصحناوي حاول تقديم مشروع قانون لإنشاء مؤسسة هدفها جمع عائدات البلديات من الخلوي. خذله مجلس الوزراء، ولم يناقشه. انتهى النهج الاصلاحي هنا. فحين تسلّم الوزير بطرس حرب هذه الوزارة ادعى أن الدولة لا علم لها الا بحصص البلديات بين الأعوام 2003 و2010 وقدرها 936 مليار ليرة. الحجة كانت أنه عام 2003 استردت الدولة قطاع الخلوي، ولكن هذا الكلام لا أساس له، فالشركة كانت تحت وصاية وزارة الاتصالات، أي مجبرة على تقديم كشوف عن حساباتها وضرائبها. أما «صندوق نحاس» في مصرف لبنان، فأعاده حرب الى وزارة المالية.
بالنسبة إلى العونيين، حماستهم تجاه هذا الموضوع مردّها بالدرجة الأولى الى أن «نحاس ورّطهم بهذه القضية ولم يعودوا قادرين على الخروج منها»، استنادا الى أحد متابعي الملف. السبب الثاني والأهم هو أن «العونيين يصرون على أن يكونوا شركاء في الصيغة التي سيجري التوصل اليها من أجل دفع أموال البلديات». خوفهم ناتج من أمرين، أولا لأنه خلافا لنتائج الانتخابات النيابية «البلديات لا تدور في الفلك العوني كثيرا، وخاصة في المتن، حيث هناك ميشال المر وحزب الكتائب، وفي البترون حيث الصراع القواتي – العوني». ثانيا، لا يريدون أن «تحصل البلديات دفعةً واحدة على الأموال. وهو تفكير سليم لكونها تخضع بمعظمها لنفوذ القوى السياسية، وما من ضمانة أن البلديات ستصرف الأموال بالطريقة الصحيحة»، بحسب المصدر نفسه.
خطوة عون الرامية إلى تحرير أموال البلديات قد لا تكون لها خواتيم سعيدة، اذا لم يتوافر لها «توافق» سياسي. حتى من جهة البلديات، هي تكتفي باجتماعات كهذه، ولكن عند البحث يتبين أن كل واحدة منها لديها مرجعية سياسية تتحكم في سياستها العامة، والا فلربما كانت ثورة من البلديات على الدولة.