«الظروف ملائمة لقيام تحالف عربي ـ إسرائيلي»، يقول وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وكأن ذلك التحالف غير قائم فعلاً! هل المقصود تحويله إلى تحالف علني؟ ولكنه علني بلا ورقة توت. كيف نفهم، إذاً، تصريح كيري ذاك؟1ـ نبدأ بالغارات التي شنتها الطائرات الإسرائيلية على مواقع سورية، الأحد الماضي، ووضعتها التسريبات الإسرائيلية في خانة استهداف شحنات صاروخية متجهة إلى حزب الله، بمعنى أنها تمت وفق قواعد الاشتباك المقبولة أميركياً، ولا تمثّل تطوراً سياسياً نوعياً يؤشر إلى التدخل في الحرب السورية.

غير أن إسرائيل تتدخل بالفعل في تلك الحرب، من خلال الدعم اللوجستي وأحياناً العسكري للجماعات الإرهابية الناشطة في الجولان. وقد فضح تقرير أممي، مؤخراً، حجم العلاقات الناشئة بين الطرفين منذ أواسط عام 2013. كذلك، وسواء أكانت تلك الجماعات عميلة وموجهة أم لا، فإن عملياتها التي استهدفت تخريب الدفاعات الجوية في جنوبي سوريا، خدمت وتخدم القدرة الجوية الإسرائيلية على تنفيذ اعتداءات سهلة ضد أهداف سورية. ولعل النقاش الداخلي في إسرائيل قد انتهى إلى أن المخاوف السابقة من سيطرة الإرهابيين على خط النار لا أساس لها؛ ليس، فقط، لارتباط هؤلاء بغرفة عمليات حليفة، ولكن، أيضاً، لأن مآل المنظمات الجهادية الطائفية، كما أثبتت الأحداث، هو التحالف، موضوعياً، مع إسرائيل، ذلك التحالف الموضوعي، تحوَّل من علاقة لوجستية إلى علاقة سياسية وأمنية.
2 ـ استراتيجية البيت الأبيض للقتال ضد «داعش» في العراق وسوريا، رغم أنها تحقق القليل من الإنجاز العسكري، إلا أنها انتهت إلى منح السوريين غطاءً سياسياً دولياً في مقاتلة الإرهاب؛ في الواقع، لم تعد هناك قيود سياسية أو إعلامية لنشاط الجيش السوري، بينما أعداء سوريا الإقليميون ــ وأدواتهم في المعارضة السورية ــ وقعوا في ارتباك سياسي عمّق فشلهم وأدى إلى شلّ قدرتهم على التحرك. وبينما تتسع الهوّة بين الأميركيين والأتراك على مقدار الثمن الذي يريده الأخيرون لقاء إنقاذ الاستراتيجية الأميركية ضد «داعش»، حمل إليهم الروس جائزة القرن: خط أنابيب الغاز؛ إتمام هذه الصفقة الكبرى سيؤدي، على رغم تصريحات أردوغان الجوفاء بشأن إسقاط النظام السوري، إلى حياد تركي واقعي. تركيا الآن مشلولة عن القيام بمبادرة كبرى للتدخل في سوريا، فهل يفكر الإسرائيليون اليوم في أنه جاء دورهم للقيام بتلك «الضربات الغامضة» التي دعا إليها الفرنسيون ضد الجيش السوري؟
3 ـ المسار الثاني في استراتيجية الرئيس الأميركي باراك أوباما، في سوريا، تتمثّل في تدريب وتسليح «قوات سورية معتدلة» تحل محل «داعش» و»النصرة»، وتفرض ميزاناً للقوى يسمح بحل أميركي ـ خليجي للأزمة السورية. هذا المسار متعثر. وهو، في الأساس، غير واقعي؛ أولاً، لا يوجد سوريون علمانيون معتدلون مستعدون، اليوم، لمقاتلة الدولة السورية؛ المقاتلون المتاحون هم إسلاميون وطائفيون متشددون، وهؤلاء مطبوعون بكامل الدوافع العقائدية والسيكولوجية للالتحاق بصفوف الجماعات التكفيرية الارهابية. وهي تملك القدرة الايديولوجية والمالية للتجنيد أكثر من الأميركيين. ثانياً، إن تجهيز قوات سورية كافية للقيام بالمهمة المطلوبة أميركياً، يحتاج إلى وقت وجهود وعمليات، ليست ممكنة في المدى المنظور، ولا يمكن اعتبارها، بالتالي، عاملاً سياسياً حاضراً. وفي المقابل، فقد تمكنت إسرائيل، أكثر من السعودية وقطر والإمارات والأردن، من التغلغل في صفوف الجماعات الإرهابية، بما فيها «جبهة النصرة». ويدور النقاش الآن حول إعادة تأهيل هذا التنظيم الإرهابي كقوة «معتدلة» تحت الإشراف الإسرائيلي المباشر.
4 ـ وعلى هذه الخلفيات، يمكننا أن نفهم دعوة كيري لتوسيع تحالف واشنطن ضد «داعش»، لكي يضم، إضافة إلى السعودية والإمارات وقطر والأردن، إسرائيل، بديلاً من تركيا. سوف يسمح ذلك بالقيام بتنفيذ استراتيجية البيت الأبيض على المسارين معاً؛ ضد «داعش» وضد النظام السوري معاً، والتوصل إلى تركيب سياسي سوري «معتدل» يصالح إسرائيل، ويكسر محور المقاومة في مفصله الرئيسي.
5 ـ إسرائيل جاهزة للمغامرة في سوريا؛ فهي تعيش أزمة سياسية ناجمة عن تضاؤل دورها الإقليمي، وتراجع قدرتها على الردع. الاقتصاد الإسرائيلي الذي قفز إلى مرحلة الانتاج التكنولوجي العالي، أضعف مكانة العمال والنقابات واليسار، لمصلحة اليمين النخبوي والعسكري والجماهيري. فالأساس للتحول نحو الفاشية، إذاً، أصبح كاملاً.
6 ـ القيادة العسكرية السورية هي الجهة الوحيدة القادرة، بالطبع، على تحديد أولوياتها القتالية، وتقدير كيفية الرد على عدوان إسرائيلي عابر. لكن، على المستوى السياسي، ربما جاء الوقت للتحسّب لعدوان إسرائيلي واسع. هل يكون ذلك وراء التشدد الروسي غير المسبوق إزاء الغارات الإسرائيلية الأخيرة على دمشق؟