يبدأ رئيس الحكومة تمام سلام اليوم زيارة رسمية لباريس تستمر حتى السبت، هي الاولى له، يجري خلالها محادثات مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الجمعة، ويعقد اجتماعات عمل مع رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه، ورئيس الجمعية الوطنية كلود بارتولون، ورئيس الوزراء مانويل فالس. كما يلتقي لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية والامين العام للمنظمة الدولية للفرانكوفونية عبده ضيوف ووزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان. يعلق سلام اهمية على الزيارة، ويدرجها في نطاق «العلاقة المميزة بين لبنان وفرنسا التي تحاول في الظروف الصعبة الحالية الاضطلاع بأكثر من دور على الصعد المختلفة السياسية والعسكرية، ولا سيما منها تسليح الجيش بغية تأكيد العلاقة الوطيدة بين البلدين. وهي علاقة تحتاج الى تواصل. طبعا نحن في صدد استمرار هذا التواصل لشكر المسؤولين الفرنسيين على الجهود التي يبذلونها، ومناقشة الملفات التي تحتاج الى متابعة واخصها الدعم الانساني والاجتماعي الذي تتولاه وكالة التنمية الفرنسية بمؤازرتها لنا، ناهيك بالدعم العسكري والسياسي. نلمس تحركاً فرنسياً متقدّماً عبرت عنه البارحة زيارة جان فرنسوا جيرو من ضمن تحرك فرنسي واسع بدأ قبلا وسيستكمل لاحقا».

يضع سلام انتخابات رئاسة الجمهورية في صلب جدول اعمال محادثاته مع هولاند: «الاستحقاق على رأس جدول اعمالي في كل وقت، واي مكان، وحيث اكون، نظرا الى كونه مفتاح حلول المشكلات الاخرى المرتبطة باستقرار لبنان. هناك افكار يعمل الفرنسيون عليها. لا شيء نهائياً وحاسماً بعد. لديهم افكار يشتغلون عليها، تحتاج الى جهد ومتابعة وهي ملكهم».
كذلك يدرج ملفات النازحين السوريين والارهاب والتطرف في جدول اعمال الزيارة الرسمية «نظرا الى الدور الكبير لفرنسا في المنطقة مع العرب وحيال لبنان»، ويشدد على ان باريس «ليست قادرة فحسب على الاضطلاع بدور، بل هي فعلا مَن يضطلع بهذا الدور وتتقدّم سواها، رغم المناخات الاوروبية المتقدمة التي نلمسها من خلال وفرة زيارات مسؤولين اوروبيين في اليومين الاخيرين لبيروت، وتأكيد حرصهم على دعم لبنان، على غرار ما ابلغته اليّ الممثلة العليا للاتحاد الاوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الامنية فيديريكا موغريني، وكذلك من قبل نائب وزير الخارجية الروسي الكسندر بوغدانوف ووزير خارجية اللوكسمبورج. هذا يعني ان لبنان لا يزال بقوة على الخارطة الدولية، وعلى الخارطة الاوروبية خصوصا».

مهمة جيرو

تبعا لاوساط السرايا الحكومية، فان الزيارة مقررة سابقا مذ التقى سلام هولاند على هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك في ايلول الفائت، واتفقا على اللقاء. على ان جدول الاعمال يتضمن البنود الآتية:
1 ــــ المراحل التي قطعتها الهبة السعودية بثلاثة مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني من فرنسا، وقد قطعت شوطا بعيدا.
2 ــــ اهتمام باريس بالازمة اللبنانية وتداعيات عدم انتخاب الرئيس، ما حملها على التحرك في اكثر من اتجاه اقليمي.
3 ــــ تفاقم آثار ملف النازحين السوريين على الاوضاع المحلية بأبعادها السياسية الامنية والاجتماعية، خصوصا وان بيروت وباريس التقتا في سياق التحضير لمحادثات سلام في العاصمة الفرنسية على ان ملف النازحين يكاد يفلت تماما من ايدي الممسكين به جميعا. وتسأل باريس هنا عن نطاق المساعدة التي يسعها تقديمها.
4 ــــ تأكيد هولاند جهود بلاده لمساعدة لبنان على تخطي ازماته من خلال المهمة المنوطة برئيس دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا جان فرنسوا جيرو لدى الدول الاقليمية المؤثرة، ناهيك بالافرقاء اللبنانيين المعنيين بالاستحقاق الرئاسي.
يعمل الفرنسيون
على افكار، لكن
لا شيء نهائيا
وحاسما بعد


ابرزت مغزى هذا الاهتمام زيارة جيرو لبيروت في الساعات القليلة التي سبقت زيارة سلام لباريس، وهو اطلعه في لقائه به الاثنين على معطيات منها:
ــــ نتائج تحركه لدى طهران وموسكو والفاتيكان بازاء تسهيل انتخاب الرئيس اللبناني، وازلة العراقيل من طريق اكتمال الشرعية الدستورية في هذا البلد.
ــــ لا يحمل معه مبادرة محددة سوى استكشاف العقبات التي تمنع انتخاب الرئيس. وهو فحوى زياراته القيادات السياسية في موازاة لقاءاته المسؤولين الرسميين. ما الح عليه في اللقاءات تلك، ابرَزَ الحيز الاوسع للاستحقاق في مهمته.
ــــ كشف جيرو لمحدثيه اللبنانيين انه ليس متشائما. بيد انه ليس متفائلا كثيرا بالمعطيات بين يديه في ضوء تحركه الاقليمي والدولي الاخير، وابلغ اليهم انه يتعامل مع الملف بهدوء وتروٍ نظرا الى وطأة العقبات التي تجبه الاستحقاق من اكثر من جهة.
ــــ يعتقد، تبعاً لما استخلصه محدثوه المسؤولون الرسميون والسياسيون اللبنانيون، بأن اشارات ايجابية سعودية ــــ ايرانية متقاطعة قد تفسح في المجال امام انتخاب رئيس، اذا انتقلت عدوى الاشارات تلك الى الداخل اللبناني، وتحديدا الى الافرقاء ــــ في اكثر من جانب ــــ ممّن يشكلون بدورهم عقبات في طريق اجراء الاستحقاق. تضمنت الاشارات الايجابية رغبة سعودية في فصل الاستحقاق اللبناني عن ازمات المنطقة التي تحتاج الى وقت طويل لانجازها، سواء بالنسبة الى الحوار الايراني ــــ الغربي على البرنامج النووي الذي يحتاج الى سبعة اشهر اخرى على الاقل، او الحرب السورية التي تتطلب بدورها سنة اخرى في احسن الاحوال قبل رسم ملامح التسوية السياسية، او الحوار السعودي ـ الايراني المعلق الى شهور اضافية. ما يجعل موقف الرياض يستقر على ابداء رغبة في فصل ملف الرئاسة عن تلك. بدوره لمس في زيارته الثانية لايران استعداداً مرناً غير مسبوق، عندما اخبره المسؤولون هناك بأنهم يدعمون توافقا لبنانيا داخليا على انتخاب الرئيس، ما عكس رغبة طهران في عدم مقاربة تأثيرها في لبنان على انه عقبة في طريق الاستحقاق.