قبل أشهر، انعقدت الجمعية العمومية لشركة «سوليدير» بحضور عدد من المساهمين الذين أمنوا النصاب القانوني لهذه الجلسة. وكما درجت العادة، فإن كبار المساهمين الذين يمثّلون القوى النافذة في الشركة وخارجها، أصدروا حكمهم على صغار المساهمين بحرمانهم من توزيع أنصبة الأرباح عن عام 2013، بذريعة حاجة الشركة العقارية الى تطبيق سياسة للتخفيف من الأعباء والأكلاف الإضافية. ورغم مطالبة صغار المساهمين بالكشف عن حقيقة الخسائر، التي تكبدتها إدارة الشركة من خلال قيامها باستثمارات في قطاع المطاعم والترفيه، والتي يقال إنها تزيد على 20 مليون دولار، إلا أن كبار المساهمين لجأوا إلى الكلام الموارب في محاولة لحرف مسار النقاش في الجمعية العمومية.
إزاء هذه النتيجة، سادت بلبلة بين أوساط صغار المساهمين، وخصوصاً أن الكلام عن تخفيف أعباء لم يترجم عملياً في ميزانية الشركة وبنودها المنفوخة، بل بحرمان أسرهم من الحق بالدخل وديمومة العمل. جرت عمليات الصرف من العمل كبديل «سهل» من سدّ «مغاور» الهدر المنتشرة بين مفاصل الشركة، سواء في عقود الإنشاءات والتنفيذ أو في الصفقات الكبيرة والتلزيمات ضمن نطاق «سوليدير» التي يستفيد منها كبار المساهمين والموظفين على شكل مساهمات في شركات عقارية تشتري وتنفذ مشاريع ضخمة في منطقة وسط بيروت.
يشير مساهمون الى أن «سوليدير»، التي تراعي المحسوبيات السياسية والمناطقية، تستخدم الملك العام سبيلاً لتوزيع المنافع، وهذا دليل على عدم وجود رغبة لدى إدارة الشركة في اعتماد نمط شفّاف يعكس حقيقة الأوضاع المالية فيها ويكشف عن جديّة ما يقال جهاراً في الجمعيات العمومية. ففي الفترة الأخيرة، تبيّن لبعض المساهمين أن اللوحات الإعلانية في وسط بيروت، والتي يفترض أن تكون خاضعة لأنظمة إدارة الملك العام، تخضع لنفوذ إدارة سوليدير، التي حوّلت احتلالها للملك العام إلى احتكار خاص ممنوح لجهتين من خلال ثلاث شركات؛ الأولى يملكها توفيق سلطان وهي تحصل على ترخيص استعمال 5 لوحات إعلانية، فيما الثانية والثالثة مملوكتان من شركة دياب هولدنغ التي يملكها النائب السابق سليم دياب، وهما شركة «لوحات بيروت» وشركة «برايم ميديا».
مغانم «دياب هولدنغ» لا
تقتصر على اللوحات، بل تشمل بعض مواقف السيارات

يروي المطلعون أن سوليدير تستعمل البند المتعلق بصلاحية تحديد المواصفات ضمن نطاقها الجغرافي لتحتل الملك العام وتسطو على ريوعه وتوزّعها على المحسوبيات، وذلك بالتعاون مع محافظ مدينة بيروت. وعلى هذا الأساس، تمكنت إدارة سوليدير من إقصاء شركة «كارنيل» المملوكة من نبيل عون والتي كانت تستحوذ على ترخيص استعمال وتشغيل اللوحات الإعلانية في وسط بيروت، ومنح هذا الترخيص لشركة «دياب هولدنغ». دياب طلب هذا الأمر شخصياً من رئيس مجلس إدارة سوليدير ناصر الشماع، بحسب ما يقول المطلعون.
استحوذ دياب مع شريكه منير الزعتري على تشغيل اللوحات الإعلانية الكبيرة في وسط بيروت منذ أكثر من 6 سنوات، ثم استحوذا على حقوق تشغيل اللوحات الصغيرة المنتشرة على الطرقات (موبيز) لقاء مبلغ 120 ألف دولار سنوياً. واللافت أنه عندما دخلت شركة «غروب بلاس» (المملوكة من جورج شهوان) إلى المنافسة، حصلت على عقد شراكة يمنحها حق التسويق مقابل تنازلها عن عرضها. ثم دخلت شركة ثالثة (محسوبة على الوزير ميشال فرعون) على هذا الخط في محاولة للاستحواذ على لوحات الـ«موبيز»، وقدمت عرضاً بقيمة 240 ألف دولار، أي ضعف المبلغ الذي تدفعه شركة «لوحات بيروت»، لكن إدارة «سوليدير» ومحافظ بيروت تجاهلا عرض هذه الشركة وأقصيت عن المنافسة بشحطة قلم.
مغانم «دياب هولدنغ» في وسط بيروت ليست أمراً عابراً، بل إن هذه الشركة تستحوذ أيضاً على تشغيل مواقف السيارات في خليج سان جورج أو المنطقة التي تسمى «زيتونة باي»، وفي منطقة الأسواق التجارية أيضاً... وما خفي كان أعظم! وبحسب المعطيات المصرّح عنها للجهات الرسمية، فإن «برايم ميديا»، على سبيل المثال، لديها حجم أعمال يبلغ 5 مليارات ليرة سنوياً، لكنها تصرّح عن أرباح تبلغ 400 مليون ليرة فقط. ويستنتج المطلعون أن هذا التصريح غير فعلي، لأن كلفة إدارة اللوحات لا يمكن أن تصل إلى 92.2% من حجم الأعمال.
ومن المحسوبيات المتداولة بين أروقة «سوليدير»، هي تلك الشركة التي أسّسها شقيق المدير السابق لشركة سوليدير انترناشيونال منيب حمود، وهي تحصل على تعهدات وأشغال تقوم بها «سوليدير» من أجل ترميم أو صيانة أو إعادة صياغة بعض المواقع.
على أي حال، يؤكد صغار المساهمين أن المرسوم الذي ينظّم قطاع اللوحات الإعلانية في محافظة بيروت، ورقمه 8861، يحدّد النسبة القصوى التي يجب منحها لجهة واحدة وسقفها 10%، وبالتالي لا يمكن لهذه الشركات الثلاث أن تستحوذ على اللوحات الإعلانية بكاملها، فضلاً عن كونها محسوبة على جهة سياسية معروفة بكونها صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في شركة «سوليدير».
وفي سياق متصل، يشكّك المساهمون بما يتداول حالياً في أروقة الشركة عن رغبة رئيس مجلس الإدارة ناصر الشماع بتحجيم أو إقالة كبار الموظفين. فما حصل بعد عودة الشماع إلى لبنان قبل نحو أسبوعين، يصنّف في إطار صراع قوى النفوذ المستشري بين كبار المساهمين. وهو صراع على تقسيم المغانم وتوزيع الحصص والصفقات بين محورين؛ الأول يمثّله جمال عيتاني، وهو المدير المعيّن حديثاً في الشركة من قبل ناصر الشمّاع. والثاني يمثّله منير الدويدي الذي تراجعت صلاحياته وسلطاته لحساب عيتاني. وبالتالي فإن هذا الصراع لا يدخل في إطار الشفافية ورغبة الشركة في التخفيف من أعبائها، بل هو عبارة عن إحلال فئة تسعى إلى الانتفاع، بدلاً من فئة انتفعت خلال السنوات الماضية.