كان لقوى 14 آذار أيام، وكان لها ساحات تحتضن احتفالاتها. شهيدها جبران تويني تحول الى رمز بين جمهورها، وقسمه بأن «نبقى موحدين مسلمين ومسيحيين» أصبح شعارها. الصورة الأبرز لـ«ديك النهار» هي الأخيرة، يوم كان من أبرز خطباء ساحة الشهداء وأكثرها شعبية. كان الزمن في حينه زمن «ثورة الاستقلال». القوى التي تجمعت عام 2005 تحت اسم «14 آذار» وكان الوشاح الأبيض والأحمر شعارها، بسطت يومها سلطتها الشعبية على وسط العاصمة. عاماً بعد آخر، بدأ الوهج يبهت. كثر غابوا، رحلوا، بدّلوا ساحتهم أو فضّلوا الانكفاء في منازلهم.
بعد مرور تسع سنوات على تحقّق هدف «ثورة الأرز» بخروج الجيش السوري من لبنان، لم تبق إلا صورة توثّق الحدث وأمانة عامة ترفض الاعتراف بأن «هيدا مش زمانها». الاحتفالات انتقلت من الساحة الكبرى الى «البيال»، قبل أن يكتفي المنظمون هذا العام بصالة صغيرة داخل فندق ألكسندر في الأشرفية، المكان الذي اتخذه الضباط الإسرائيليون مكاناً لاجتماعاتهم مع قيادات لبنانية خلال الحرب الأهلية، وحيث كان أعضاء الجبهة الوطنية يعقدون لقاءاتهم. في الفندق الذي كان يرتاده رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون، قرر فريق 14 آذار استذكار تويني. هذا جُلّ ما تسمح به إمكاناتهم السياسية والمادية والشعبية.
منسق الأمانة العامة فارس سعيد في بهو الفندق يهتم باستقبال السياسيين والصحافيين. يتحرك كالـ«جوكر» بين «الأعدقاء». يحلو له تنظيم هكذا احتفالات تُخرجه من الكادر الضيق لأمانته. ينسق المقاعد ويأبى أن يبدأ قبل أن تصل ابنة الراحل المديرة العامة لجريدة «النهار»، النائبة نايلة تويني. معظم أعضاء الأمانة والأحزاب «المتحالفة معها» كانوا ممثلين. داخل القاعة، وجه جبران باسم لكراسٍ فارغة، ولو أن ألوان الصورة قاتمة. يفرح النائب نديم الجميل بلقاء «الرفيق» ميشال مكتف. بعد القبلات والسلام الحار، ضحك طويل وهما يشاهدان أحد الفيديوات. واصلا «شغبهما» حين بدأت الكلمات السياسية، فتغامزا وتبادلا الرسائل النصية. بعد تأخير ربع ساعة، رحّب سعيد بالنواب والوزراء وممثلي رؤساء: تيار المستقبل، الكتائب والقوات اللبنانية. فالأقطاب قرروا عدم المشاركة في ذكرى «الفارس الشجاع»، كما سماه الزميل نبيل بومنصف. في حين أنهم يحرصون على عدم تفويت ذكرى «سيّد الشهداء»، على ذمة النائب عاطف مجدلاني، الرئيس رفيق الحريري. إضافة إليهم، رحب «الدكتور» بجمعية «إعلاميون ضد العنف» ممثلة بمدير التحرير في «الجمهورية» شارل جبور. يضحك سعيد مبرّراً: «من يرفع صوته ويقول الأشياء بوضوح هو لاعنفي». ما إن ارتفع النشيد الوطني حتى دخل الوزير بطرس حرب، فعلق أحدهم «ها قد وصل رئيس الجمهورية». بعد كلمة مروان حمادة، التي ألقاها وليد فخر الدين، وكلمات سمير فرنجية، بومنصف، جبور ومجدلاني المقتضبة، طلب سعيد من الصحافيين مغادرة القاعة من أجل صياغة البيان الختامي والبحث بصيغة جديدة لـ»قسم جبران»، لربطه بالاستحقاق الرئاسي. طالت دقائق الانتظار، وزاد تأفف الإعلاميين. أما السياسيون فغادروا الواحد بعد الآخر قبل صدور البيان. حتى «الوريثة» تويني لم تنتظر. بقي سعيد في الداخل «يغزل» بين من تبقى، «يقرّق» على فلان ويتحدث في السياسة مع آخر. وفي النهاية، صدر بيان يكرّر كل مقولات 14 آذار منذ عام 2005 حتى اليوم، مضافاً إليها المطالبة بانتخاب رئيس للجمهورية.