خلال العام الماضي نمت أجور عمال العالم بنسبة 2% فقط، بتراجع ملحوظ عن النمو المسجل في العام السابق. ويبقى معدّل الارتفاع دون نسبة 3% المسجّلة بين عامي 2006 و2007، أي عشية الأزمة «التي أدت إلى هبوط الأجور على نحو حاد». واللافت هو أنه حين تُستثنى الصين من المعادلة يهبط معدل النمو إلى النصف، أي 1.1% فقط، ما يوضح تأثير اقتصاد البلد الآسيوي وحجمه في العولمة.
هذه الأرقام هي بعض ما تعرضه النسخة الأحدث من تقرير «الأجور في العالم» الذي تُعدّه منظمة العمل الدولية، والذي يركّز هذا العام على العلاقة بين الأجور ومعدلات اللامساواة.
تشدّد المنظمة على الارتباط بين توزع الدخل، وبالتالي حصّة الأجور منه، واللامساواة التي تنخر المجتمعات الرأسمالية بين الشرق والغرب. «في العديد من البلدان تبدأ اللامساواة في سوق العمل»، يقول التقرير. «إن التغيرات التي طرأت على توزيع الأجور والعمل المدفوع كانت عوامل أساسية وراء أنماط اللامساواة المسجّلة أخيراً».
في الولايات المتّحدة وإسبانيا - البلدان اللذان سجلا أعلى زيادة في معدل اللامساواة بين أغنى 10% وأفقر 10% - يُعدّ التغيّر المسجّل في توزيع الأجر إضافة إلى فقدان الوظائف مسؤولين عن 140% من ارتفاع اللامساواة في البلد الأول وعن 90% في البلد الثاني.
يقول كبير الاقتصاديين في منظمة العمل الدولية، باتريك بلسير، إنّه خلال العامين الماضيين بقيت الأجور ثابتة في البلدان المتقدمة، وفي بعض البلدان مثل إيطاليا واليابان وانكلترا لا تزال دون المستوى الذي كانت عنده قبل الأزمة المالية الاقتصادية عام 2007. أما في البلدان النامية، فالوضع معاكس، وتحديداً في الصين، حيث نمت بنسبة 7% العام الماضي و9% العام السابق.
نمت أجور عمال العالم
خلال العام الماضي بنسبة
2% فقط


يلحظ خبراء المنظمة أن معدل الأجور المسجّلة في البلدان النامية لا يزال أدنى بكثير من المسجّل في العالم المتقدّم. «مثلاً، لدى اعتماد مقياس القيمة الشرائية، يتضح أن معدل الأجر الشهري في الولايات المتّحدة يساوي ثلاثة أضعاف المعدل المسجّل في الصين».
اليوم يبلغ معدّل الأجر الشهري في العالم 1600 دولار؛ يرتفع إلى 3 آلاف دولار في الولايات المتّحدة وينخفض إلى ألف دولار في البلدان النامية.
ولكن رغم ذلك لا يُمكن تجاهل أن «الهوّة بين الأجور الحقيقية في البلدان المتقدمة وتلك في البلدان النامية تقلّصت بين عامي 2000 و2012»، وإن كان اللحاق بطيئاً.
من جهة أخرى، يلاحظ خبراء منظمة العمل أنّه في الولايات المتحدة واليابان وألمانيا نمت إنتاجية العمل بمعدل يفوق نمو الأجور بين عامي 1999 و2013. «هذا الفصل الموجود بين نمو الأجور والإنتاجية ينعكس في تراجع حصّة الأجور – من الناتج الإجمالي – في هذه البلدان».
هناك تفاوت واضح بين مختلف المناطق، في ظلّ تأثّر كلّ إقليم بنمط يسجّله البلد الذي يتمتع بالناتج الأكبر وبالتالي بالنفوذ الاقتصادي الأوسع.
في الشرق الأوسط نمت الأجور الحقيقية بنسبة 4% تقريباً، وذلك نتيجة النمو القوي للأجور المسجّل في السعودية. غير أن هذه النسبة، وإن كانت إيجابية، تبقى دون الـ5% المسجّلة في العام السابق، وهي أساساً ضعيفة لكي تعوّض الأداء الضعيف المسجّل منذ عام 2006. خلال هذه السنوات الست، لم يتخطّ نموّ الأجور عتبة 1.3% في أحسن الأحوال، وفي عام 2008 تقلّصت الأجور بنسبة 1.5%.
إن ردم هذه الهوّة أساسي، ويجب أن يكون في صلب أي استراتيجية تنموية يُمكن أن تُطرح على طاولات السياسة العامة في بلدان المنطقة. هنا، يشكّل العمّال أكثر من 78% من إجمالي العمل (الذي يشمل أيضاً الأعمال الحرّة) بارتفاع يفوق 10 نقاط مئوية مقارنة بعام 1999؛ وهو من بين أقوى معدلات النمو بين جميع المناطق ويجعل المنطقة في المقدمة بحسب هذا المؤشر.
غير أنّ التقرير يُشدّد على أنّ «الأنماط المسجّلة في منطقة الشرق الأوسط لا يُمكن تحليلها إلا على نحو تقريبي نتيجة نقص المعلومات»، فيما المؤكّد هو أنّ ما يحصل في السعودية ينعكس بصورة أساسية على النتيجة النهائية.
والشرق الأوسط منطقة تضم، بحسب تصنيف منظمة العمل في بحثها هذا، 12 بلداً، بينها بلدان مجلس التعاون الخليجي واليمن إضافة إلى لبنان، سوريا، الأردن، العراق والضفة الغربية وغزة. والسعوديّة، حسبما يجزم التقرير، هي التي تحدّد الصورة النهائية للنمط في المنطقة.
على أي حال، انطلاقاً من النتائج المسجّلة على مستوى العلاقة بين الأجور واللامساواة، يدعو التقرير إلى اعتماد سياسات تؤثر مباشرة في توزيع الأجور، وفي الأصل على غياب العدالة في سوق العمل. ومن الأدوات الفعالة التي يُمكن اعتمادها في هذا الإطار هي الحد الأدنى للأجور وحماية حق التنظيم النقابي والتفاوض الجماعي.