باريس | اختتم رئيس الحكومة تمام سلام زيارته الرسمية لباريس بمقابلة الرئيس فرنسوا هولاند في الإليزيه، في حضور الوفد اللبناني الذي ضمّ وزير الدفاع سمير مقبل ووزير الخارجية جبران باسيل والسفير الفرنسي في بيروت باتريس باولي، إلى مسؤولين فرنسيين، من بينهم رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية جان فرنسوا جيرو.
في اللقاء رغب هولاند في إبداء ثلاث ملاحظات:
أولى، أشاد بأداء سلام، وخاطبه بالقول إن الطريقة التي أدار بها السلطة الإجرائية في لبنان، بجمع الشمل والمحافظة على الوفاق السياسي في الظروف الحالية، ليس الصعبة فحسب، بل المستحيلة، هي باب خلاص للبنان. وشدد على محافظته على التضامن الحكومي.
ثانية، أبدى هولاند تفهمه العميق للسياسة التي أقرتها الحكومة بحصر النزوح السوري بالنازحين الفعليين، وقال لسلام: أنا أتفهم أنه يجب وقف هذا التدفق. وأبدى اعتقاده بأن استمرار النزوح بالطريقة التي حصل بها سابقاً، خطر للغاية على لبنان ومقدرته على حمل أعبائه. وتوجه إلى المسؤولين الفرنسيين المشاركين في الاجتماع بتعليمات بضرورة مساعدة لبنان على كل الصعد واستعجال إرسال الأسلحة في إطار الاتفاق مع السعودية.
ثالثة، أيد المبادرات التي صدرت عن مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية في خلال اللقاءات مع سلام، وأن عليهما المضي في تأكيد ما أعلناه من تأييد لبنان ودعمه، ووضعه موضع التطبيق.
بعد الاجتماع صرّح سلام للصحافيين: «كما يعلم الجميع، علاقتنا مع فرنسا بقيادة الرئيس هولاند قديمة وقوية جداً، ونحن في زيارتنا فرنسا موجودون لمتابعة هذه العلاقات، ولقينا كل ترحيب وكل تفهم ودعم لقضايا لبنان وما نواجهه من صعاب، وسنستمر في هذه العلاقة لما فيه خير لبنان واللبنانيين. من أبرز المسائل التي نواجهها ما يتعلق بالنزوح السوري، وحاجتنا إلى دعم دولي لتحمّل أعبائه إلى جانب ما أبداه كل لبناني من ترحيب ورعاية وعناية لإخواننا السوريين.
واجبنا منع
الانهيار، لكن لا يمكننا أن نحل محل رئيس الجمهورية

والكل يعلم أننا في لبنان نواجه أوضاعاً أمنية غير مريحة، وتمكنا في الداخل اللبناني من وضع حد نهائي لها بإجماع اللبنانيين على تأييد الجيش اللبناني والقوى الأمنية، واستتب الأمن في كل الأرجاء اللبنانية على خلفية وحدة اللبنانيين في عدم توفير أي بيئة حاضنة لأي نوع من الخلل الأمني أو الإرهاب الأمني. في المقابل، هناك مواجهات مستمرة تتطلب مزيداً من الدعم للجيش وقوانا الأمنية. لفرنسا دور رئيسي في ظل المكرمة السعودية لدعم الجيش على نحو غير مسبوق من أربعة مليارات دولار من بينها ثلاثة مليارات في اتفاق مباشر مع فرنسا. وفي الأمس تم الانتهاء بين وزيري الدفاع الفرنسي واللبناني من الجانب التقني، وقريباً جداً إن شاء الله تبدأ فرنسا بالتحضير لتسليمنا ما يحتاج إليه الجيش اللبناني من أسلحة لتعزيز قدراته».
سئل عن مصير الاستحقاق الرئاسي والجهود الآيلة إلى تحقيقه، فاجاب: «فرنسا كما كل الدول، ولكن هي بالذات نظراً إلى علاقتها المميزة بلبنان، تتابع هذا الملف معنا وتحاول أن تساعدنا. نعم، لمسنا لدى الرئيس هولاند والمسؤولين الفرنسيين جميعاً رغبة في إنهاء هذا الملف، وأن يكون للبنان رئيس للجمهورية».
وودع هولاند سلام بطريقة استقباله إياه على درج الإليزيه، وانتظره حتى أنهى تصريحه للصحافيين قبل أن يعود إلى مكتبه، في إجراء بروتوكولي غير مسبوق أظهر تعاطف الرئيس الفرنسي وتقديره لرئيس الحكومة اللبنانية. وهو ما عكسته دوائر البروتوكول الفرنسية بالقول إن استقبال سلام كان أقرب إلى استقبال رئيس الدولة، نظراً إلى أنه يترأس حكومة نيطت بها صلاحيات رئيس الجمهورية.
من الإليزيه توجه سلام إلى متحف بيكاسو وجال في أرجائه، قبل أن يعود إلى مقر إقامته في فندق جورج الخامس، ويعقد مؤتمراً صحافياً لمراسلي وسائل الإعلام والصحف العربية والأجنبية، استهله بالقول: «زيارتنا في إطار توطيد العلاقة والتواصل مع دولة كبرى لها علاقات تاريخية وعريقة مع لبنان، وهي تبذل اليوم بقيادة الرئيس هولاند جهوداً مميزة في كل المجالات».
سئل عن السلة التي يعود بها، فاجاب: «من أبرز المسائل التي نسعى إلى التوصل إليها مع فرنسا، هي المستجد في الملف الأمني الذي يصب في الهبة السعودية والاتفاق مع فرنسا على تزويد الجيش اللبناني ما يحتاج إليه من سلاح. الآن ننتظر الموافقة النهائية بين فرنسا والسعودية، بعد ذلك يبدأ تحريك إرسال الأسلحة إلى لبنان. على المستوى الأمني أيضاً، تبين أن ليس هناك بيئة حاضنة للإرهاب والتكفيريين في طرابلس والشمال. إلا أن من واجب الدولة وجيشها حسم أمرها لمواجهة الإرهابيين. متى عززنا قدراتنا نجحنا في إنهاء هذا الأمر».
سئل عن الدور الفرنسي في انتخابات الرئاسة اللبنانية، فأجاب: «الملف الرئاسي أبرز أزماتنا في لبنان الذي يتأثر بمحيطه والخارج. لبنان بلا رئيس كجسم بلا رأس، لا يكتمل أداؤه ولا قيمته».
سئل عن خطف العسكريين وخيارات السلطات اللبنانية، فأجاب: «الملف دقيق وحساس. نحن في موقع دفاعي وليس هجومياً. أيدنا التحالف الدولي ـ العربي لضرب الإرهاب وقلنا له إنه يعنينا، لكن موقعنا دفاعي لأن قدراتنا محدودة، ونحتاج إلى مزيد من الدعم. هناك وضع سياسي له علاقة مباشرة بعدم انتخاب الرئيس، ما يسمح بمساحة من عدم الاتفاق، وتالياً ينعكس سلباً على عملنا كسلطة إجرائية. نسعى كحكومة إلى مواكبة هذا الوضع واستيعابه. أتوجه إلى كل القوى السياسية لإدراك مخاطر هذا الوضع وتفادي محاذير في غنى عنها. لا بد من مساحة للتفاهم وانتخاب الرئيس كي نصبح في وضع أفضل، وكذلك الجيش والقوى الأمنية الأخرى. واجبنا منع الانهيار، لكن لا يمكننا أن نحل محل رئيس الجمهورية. لذا، من الضروري استعجال إنجاز هذا الاستحقاق. اليوم سمعت من الرئيس هولاند كلاماً مباشراً، هو عدم استعداده للتدخل في الشؤون الداخلية للبنان والاستحقاق الرئاسي، إلا إذا رغب اللبنانيون في ذلك. ما أقوله هو أن علينا أن نحصن أنفسنا من أي تدخل خارجي من أي جهة أتى. إذا كانت لفرنسا نية طيبة في التدخل، فإن لدول أخرى نيات سيئة. لا أقصد دولة محددة، وليس في بالي دولة ما، بل علينا تعزيز حاجتنا إلى التفاهم والتوحد، لأن لدينا عدواً رابضاً عند الحدود هو إسرائيل، وهو لن يوفر فرصة للاستفادة من خلافاتنا. إقول إن علينا تفادي أن تعمد دولة إلى أذية لبنان، لأنه لا يؤذي أحداً. يجب أن لا يكون لدينا أعداء، بل أصدقاء».
بعد الظهر زار سلام والوفد المرافق رئيس الوزراء مانويل فالس، ثم استقبل في مقر إقامته وزير الدفاع جان إيف لودريان.