لا يغيب إيريك كانتونا عن الصورة والأضواء، برغم اعتزاله كرة القدم منذ ما يقارب 17 عاماً. هكذا هم أساطير هذه اللعبة وأيقوناتها، يرفضون ترك الساحة التي ملأوها خلال فترة تألقهم على المستطيل الأخضر. كانتونا في طليعة هؤلاء. لم يكتف بأنه احتل مساحة شاسعة من الذاكرة، وفي القلب، بل ظل كثير الاطلالات والديناميّة في أكثر من مجال، وظلت كلماته لها وقع السحر على النفوس.
قبل فترة وجيزة، أطل علينا هذا النجم الفرنسي مندداً ورافضاً منح قطر حقوق تنظيم مونديال 2022، ومجدِّداً القول إن الإمارة الصغيرة اشترت حقوق الاستضافة. لم يقتنع ابن مدينة مرسيليا (1966) بما توصّل إليه «الفيفا» من استنتاجات و«حقائق»، بل ظل يرى الحقيقة بمنظاره الثاقب.
هذا هو كانتونا المتشبّث بآرائه ومواقفه، ولو «على حدّ السيف». هذا هو كانتونا كما اشتهر في الملاعب: يقول ويشاكس ويجاهر، ولو حتى خالفه العالم كله الرأي. مع كانتونا توقَّع دائماً ما يستحيل عليك توقعه، ما يفاجىء. ولأن «كانتو» (كما يلقب) كذلك، فهو كان ولا يزال مثيراً للجدل. كان ولا يزال، حقاً، فريداً من نوعه.
الفرادة هي «ماركة مسجلة» لهذا الفرنسي. منذ نعومة أظفاره في الملاعب، كان كذلك. منذ أن وجّه انتقادات لاذعة على الملأ إلى مدرب المنتخب الفرنسي هنري ميشال وهو لا يزال على اعتاب بزوغ نجوميته عام 1988 لعدم استدعائه لتشكيلة «الديوك». وبعدها عندما خلع قميصه ورمى به أرضاً اعتراضاً على استبداله من مدربه في مرسيليا في مباراة ودية عام 1989 ما نجم عنه انتهاء مسيرته مع النادي الجنوبي بعد عام فقط على التحاقه به. ومن ثم عام 1991 عندما اعترض على قرار الحكم في إحدى المباريات مع فريقه نيم، فرمى الكرة بوجهه. وطبعاً، وبالتحديد، لقطته الشهيرة عام 1995 التي دخلت تاريخ الكرة، عندما وجّه ركلة «كونغ فو» في مباراة مع فريقه الأزلي مانشستر يونايتد إلى مشجع فريق كريستال بالاس، التي حوكم بسببها بالسجن لمدة 120 ساعة، وأداء خدمة للمجتمع قضاها في تدريب الأطفال على الكرة.
لأن كانتونا فريد من نوعه، فقد كانت أهدافه الرائعة التي ستبقى خالدة في البال، مختلفة عن سواها، وكانت احتفالاته بالأهداف لا يماثله فيها أحد، وحتى طريقته الشهيرة في ارتداء قميصه لم يسبقه إلها أحد.
لأن كانتونا فريد من نوعه، فقد لعب ودرب منتخب بلاده في الكرة الشاطئية بعد تركه الملاعب، وعمل مديراً رياضياً لنيويورك كوزموس الأميركي، وأصبح نجماً في الإعلانات والتمثيل في السينما التي ترشح فيها عن أحد اعماله لمهرجان «كان»، وكذا فقد أبدع في المسرح والكتابة والرسم.
لأن كانتونا فريد من نوعه، فقد اختاره جمهور مانشستر يونايتد أفضل لاعب ارتدى قميص الفريق في تاريخه، كما اختاره الراعي الرسمي لـ «البريميير ليغ»، في تصويت، أفضل لاعب في تاريخ البطولة.
لأن كانتونا فريد من نوعه، فقد لُقب بـ «ذا كينغ» (الملك) كانتونا، و«كانتونا المجنون».
لان كانتونا فريد من نوعه، فقد بكاه الإنكليز، برغم حادثة ركله المشجع، قبل الفرنسيين عندما ترك الكرة.
لان كانتونا فريد من نوعه، فقد اعتزل اللعب عام 1997 بسن 30 عاماً فقط في عزّ الشهرة والأضواء.
... ولأن كانتونا فريد من نوعه، فقد أصبح «الملهم» و«الأسطورة» و«الأيقونة»، الذي لن تنساه الملاعب، والذي لا يزال يحدث الضجيج.