يشي الاتجاه السريع والمفاجئ لمبادرات الحوارات الداخلية لدى مختلف الاطراف بعمق الأزمة التي يعيشها لبنان، ويُظهر الى حد كبير، مدى تأكّد الافرقاء المعنيين من أمرين: اولاً تعذر انتخاب رئيس للجمهورية في المدى المنظور، وثانياً الخوف الدائم من الصراع السني ــــ الشيعي الذي لا يزال جمره تحت الرماد.
بين الحوار السني ــــ الشيعي، والحوار بين حزب الله والكتائب، واحتمال عقد لقاء بين رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، ثمة مساحة للكلام عن تبريد الاجواء المحتقنة، ما يسمح بالحديث عن حلول للأزمات الراهنة.
حتى الآن، ما هو مثبت ان الاجواء الحوارية فُتحت بين معراب والرابية، وان اللقاء بين عون وجعجع سيحصل. لكن ما هو غير مثبت بعد، موعد اللقاء وجدول اعماله.
الوسطاء العاملون على الافكار المتداولة مستقلون، اي ان لا حوار مباشراً بعد بين القواتيين والعونيين. في المبدأ، الرجلان جاهزان للقاء، لكن هناك ما يشبه جدول الاعمال لا يزال معلقاً. والقوات تنتظر أفكاراً منتجة تسمح بجهوزية اللقاء الذي يبدي جعجع استعداده له ولأي حوار مهما كانت الظروف، لأن الحوار بالنسبة اليه «خيار، وليس ظرفاً موسمياً عند اية ازمة محلية او اقليمية». هدف اللقاء الخروج بشيء ما، وليس مجرد لقاء للصورة. لكن ما يظهر حتى الآن «تراكم ايجابي وجدّي من الطرفين» بحسب ما يوضح مطلعون.
توقيت الانفتاح هذا لا علاقة له بما يحصل على خط المستقبل وحزب الله. لكنه يتقاطع معه، وخصوصاً ان المستقبل والقوات، إن على مستوى جعجع والرئيس سعد الحريري اللذين يتواصلان في صورة دورية أو على مستوى الصف الثاني، يتبادلان المعطيات لجهة اللقاءات الثنائية المرتقبة. لكن اجندته أوسع. فالحوار المسيحي سيشمل انتخابات رئاسة الجمهورية ومواضيع سياسية متعددة تشكل لبّ النقاش حالياً داخل الوسط السياسي اللبناني والمسيحي.
لا أوهام كبيرة
لدى المستقبل وحزب الله في شأن نتائج الحوار بينهما

في المقابل، لا تستبعد مصادر مطلعة معنية مباشرة بالحوار بين تيار المستقبل وحزب الله ان تعقد اولى الجلسات بين الطرفين قبل نهاية العام الحالي. وهي اذ تمتنع عن كشف جدول الاعمال الذي بات في مراحله النهائية، تشير الى ان هدف الحوار بعنوانه الرئيسي كما بات معلوماً تخفيف الاحتقان السني ــــ الشيعي، وتحت هذا العنوان الرئيسي يمكن ان تتفرع عناوين لها صلة بالحياة اليومية للمجتمعين السني والشيعي. ما يطرح علامة استفهام حول ماهية هذه البنود التي يمكن ان تخفف الاحتقان المذهبي، ان كانت متعذرةً مقاربة عناوين الخلاف الاساسية.
ساهم تشكيل الحكومة، باعتراف الطرفين المعنيين بالحوار بتهدئة الاجواء المحتقنة التي كانت سائدة لبنانياً، وزادتها حدّة مجريات الوضع السوري. لكن مشاركة المستقبل وحزب الله في الحكومة لم تعد كافية لضبط ايقاع الشارع المتأزم، مع تطور الوضع الامني الداخلي ولا سيما في عرسال ومحيطها وخطف العسكريين وانفلاش الدولة الاسلامية. وعلى وقع التوتر الداخلي والعلاقة السعودية ــــ الايرانية، كان لا بد من خطوات اكثر تقدماً عبر جلوس طرفي النزاع وجهاً لوجه، لأن مجرد اللقاء المباشر كفيل بسحب التوتر وتخفيف التشنج السائد في عدد من المناطق المتداخلة.
لا أوهام كبيرة لدى الطرفين في شأن هذا الحوار بمعنى تحقيقه خطوات عملية في اتجاه تحقيق مصالحة على مستوى عال، في ظل استمرار الملفات الخلافية الكبيرة. لكن يبدو بالنسبة الى العاملين المباشرين على خط الوساطة، ان العناوين الكبيرة صارت ايضاً مع الوقت اقل حدة. فالكلام عن تدخل حزب الله في سوريا لم يعد هو نفسه اليوم مع تطور ممارسات تنظيم «داعش»، كما كانت الحال قبل ثلاثة اعوام. لذا يمكن التعويل على ان يكون الحوار الحالي، رغم سقفه المحدود، مؤشراً على احتمال تطور العلاقة الثنائية في اتجاه مزيد من ترسيم حدود الخلاف وتنظيمه.
هل تكفي صورة اللقاء في حد ذاتها لإشاعة أجواء مطمئنة، في حين ان ما جرى بين اللبوة وعرسال بعد استشهاد الجندي علي البزال كاد يودي بالهدنة غير المعلنة بين الطرفين وكاد يؤجج الصراع السني ــــ الشيعي في البقاع؟ تعترف اوساط المستقبل بأن امام الحوار المرتقب تحديات جدية، منها ان جمهور تيار المستقبل ليس راضياً على هذا الحوار ولا يرى نتيجة مقنعة له، وهو بالكاد تقبّل مشاركة حزب الله في الحكومة. وكذلك لا افق جدياً للقاء المرتقب ما خلا اشاعة اجواء التهدئة، في ظرف مصيري، وخصوصاً اذا اتفق على الاقل على وقف الحملات الاعلامية وتخفيف التشنج العلني. لكن ابعد من ذلك، فإن الامور تحتاج الى عناية اكبر وقرارات جدية يتخذها حزب الله. وانطباع هذه الاوساط بأن الحزب يحتاج الى هذا الحوار اكثر من المستقبل لاسباب مذهبية لها صلة بوضعه لبنانياً وعربياً، لا سيما بعد تدخله في سوريا وأزمته الراهنة فيها. في حين ان تيار المستقبل تجاوب مع مبدأ الحوار لأنه يعي خطورة التوتر الحالي بين الطرفين وارتداده على الوضع اللبناني.
لكن ثمة جانب من الحوار، بحسب اجواء المستقبل، يتصل باحتمال وجود خلفيات تتعلق برئاسة الجمهورية خلال التحضير لجدول الاعمال. ورغم نفي المعنيين مباشرة اي بحث في مواضيع سياسية لها صلة بأطراف اخرى او تتعلق بالبحث في شؤون سياسية عامة، تشير اوساط المستقبل الى ان فكرة الحوار حملت في طياتها احتمال حصول نقاش هادئ ومباشر حول رئاسة الجمهورية، اذا ما تمكن الطرفان من استيعاب النقاط الخلافية بينهما في ملف الصراع السني ــــ الشيعي. لكن العاملين على خط الوساطة يؤكدون ان الطرفين سيحصران حوارهما الثنائي في دائرته الضيقة، ولا اتجاه، بحسب المطلعين عليه، الى توسيعه ولا الى عقد طاولة حوار توسع جدول الاعمال لتطرح مسائل سياسية كبرى.